تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

منتدي أبناء السنابسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الزائر الكريم مرحبا بك في منتدي أبناء السنابسة يسعدنا تواجدك معنا
يمكنك التسجيل في المنتدي وتاكيد التسجيل عن طريق الرسالة التي تصل للايميل الخاص بك
منتدي أبناء السنابسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الزائر الكريم مرحبا بك في منتدي أبناء السنابسة يسعدنا تواجدك معنا
يمكنك التسجيل في المنتدي وتاكيد التسجيل عن طريق الرسالة التي تصل للايميل الخاص بك
منتدي أبناء السنابسة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي أبناء السنابسة

[[[ فكر متجدد *** ونقاش بنـّاء *** وعطاء بلا حدود ]]]
 
الرئيسيةشات منتدي أبناءأحدث الصورالتسجيلدخول
قوانين المنتدي ............... بسم الله الرحمن الرحيم السادة الاعزاء اعضاء وزوار المنتدي المنتدي هو منتدي الجميع وليس منتدي احد بعينه فساهموا معنا للنهوض به وجعله علي المستوي الذي يليق بنا ................. السادة الاعضاء الرجاء عند التسجيل عدم التسجيل باسماء رمزية والتسجيل بألاسماء الحقيقية حتي نتمكن من معرفة من هو متصل معنا ................... اسادة الاعضاء والزوار اي وجهة نظر علي المنتدي تعبر عن وجهة نظر صاحبها وإدارة المنتدي غير مسؤولة عن وجهات نظر اعضاء المنتدي ...............السادة الاعضاء برجاء عند المشاركة في المنتدي عدم التجريح في احد وعدم التشهير بأحد ................. أي موضوع يخالف هذه القوانين سيتم حذفه من قبل الادارة دون الرجوع الي صاحب الموضوع .................. وتقبلوا تحيات ادارة المنتدي وأتمني لكم مشاركات سعيدة
 
أذكر الله
الساعة الان
الساعة الان

بتوقيت السنابسة - جميع الحقوق محفوطة منتدي ابناء السنابسة2010

مواضيع مماثلة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 281 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Hany el asshry فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 5853 مساهمة في هذا المنتدى في 1156 موضوع
زوار المنتدي
free counters

 

 تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
كريم
عضو برونزي
عضو برونزي
كريم


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 67
المجهود والاسهام في المنتدي : 100
تاريخ التسجيل : 18/05/2010
العمر : 42
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : غرفة شركات ووكالات السفر والسياحه
علم الدولة : تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى EgyptC

تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى Empty
مُساهمةموضوع: تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى   تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى I_icon_minitimeالسبت مايو 22, 2010 9:19 pm

الأمانة

الأمانة هي ما يكون للغير عندك من حقوق وأنت أمين عليها فمن الناس من يقول: لقد أودعت عند فلان أمانة، وهذه الأمانة لو كانت بايصال فهي ليست أمانة ذلك أن الايصال دليل، ولو كانت هذه الوديعة أمام شهود فليست أمانة.
الأمانة اذن هي أن يودع انسانا انسانا آخر شيئا، وأمانته هي حين يطلبها صاحبها أن يؤديها أو ينكرها.
اذن فالأمانة في تحقيقها شيء يقبله الانسان ممن يأتمنه ولا حجة على الانسان الا ذمة الانسان فان شاء أقر، وان شاء أنكر.
ومن الأمانة أن الانسان خلق مختارا فان شاء قال لا اله الا الله، وان شاء ـ والعياذ بالله ـ لقال غير ذلك مثل الذين كفروا وقال:{ ان الله ثالث ثلاثة، وما من اله الا اله واحد} المائدة 73.
وعلى ذلك فالأمانة التي أعطاها لنا الله هي أمانة الاختيار فقد قال سبحانه:{ وهديناه النجدين} البلد 10.
انه سبحانه قد يسر لنا السبيل للاختيار، لقد خلق الحق سبحانه وتعالى اللسان للانسان وهو صالح لأن يقول: لا اله الا الله، وصالح أن يقول مثل الكافر: الله ثالث ثلاثة ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ والحق خلق للانسان اليد فان شاء ضرب بها انسانا آخر، وان شاء أن يزيل بها حجرا عن الطريق أو يربت بها على كتف يتيم، والحق خلق للانسان الساقين ان شاء ذهب بهما الى المسجد، وان شاء ذهب بهما الى أي مكان يعصي الله فيه. وهذه هي الأمانة التي عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها، وحملها الانسان.
حين خلق الله الانسان أخذ عليه العهد والميثاق بأنه ربه وخالقه وعليه أن يعبده وحده ولا يشرك به أحدا وأقرّ الانسان بذلك، ثم أعطاه الله تعالى أمانة أن يحافظ على هذا العهد طواعية وحبا وان شاء نكص عنه، وأقرأ قول الحق سبحانه:{ واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انّا كنا عن هذا غافلين} الأعراف 172 أودع عند الانسان امانة فان شاء الانسان فعل هذا أو ذا} لذلك قال الحق سبحانه وتعالى:{ انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا} الأحزاب 72.
كل الكائنات قد رفضت أن تحمل الأمانة، لأن الكائنات لم تضمن لنفسها حسن الاختيار وطلبت الكائنات أن يخلقها الله مسخرة لا ارادة اختيار، ولذلك نجد الكونيات العليا كالماء والأرض والشمس ليس لها خيار في شيء فهي مسخرة، ولم ترض أن تكون مختارة.
وثمة فارق بين أن يقول كائن أتحمل الأمانة وبين أن يقول آخر أنا سأنفذ الأمانة كما سيريد الله، وما دام الكائن سينفذها فلماذا لا يفعل الانسان ما أراده الله بمنهجه؟ الانسان لم يأخذ الأمانة الاختيار الا طمعا في أن يكون حرا في أن يفعل ذلك أو لا يفعل، ولو كان الانسان كما يقول قد أخذ الاختيار لينفذه وفق مرادات الله، فلماذا لم يقل يا رب أنا لا أريد أن أكون مختارا واجعلني مقهورا، لذلك لا بدّ أن يكون للانسان في الاختيار مأرب آخر، ان السماء والأرض والجبال وكل الكونيات لم تقبل تحمل الأمانة خشية عدم القيام بحقها.
ولننتبه جيدا الى أن هناك فارقا بين الأمر ساعة أن يتحمله الانسان، والأمر ساعة أن يؤديه، فعندما يقول لك قائل: أنا معي مائة جنيه واحفظها لي عندك حتى لا أبددها، فالانسان المتلقي لهذه الأمانة لا يتهمه أحد بذمته وهو قبل المائة جنيه كأمانة فهو في نيته أن يحتفظ له بها ويؤديها في أي وقت يطلبها منه ، لقد ضبط الانسان نفسه ساعة تحمل الأمانة، ولكن هل يضبط الانسان نفسه عندما يطلب منه أن يؤدي الأمانة قد تكون الدنيا ضاقت عليه وغلبته الظروف فأضاع الأمانة في مستلزماته أو مستلزمات بيته.
اذن فهناك فرق بين أن يقدر الانسان على نفسه وقت التحمل، ولكن لا يقدر على نفسه وقت الأداء لذلك فالكونيات كالجبال والسماء والشمس والقمر وغيرها قالوا نتحمل الأمانة ولكن قد لا نقدر على وقت الأداء لذا:{ فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا}, ظلم نفسه لأنه أدخلها في متاهة التحمل، وجهل بما يكون عليه عند الأداء.
والأمانة كما قلنا هي حق في ذمة انسان لانسان آخر عليه أن يكون مستعدا لأداء الحق ساعة الطلب، وحين يعطي انسان انسانا شيئا يصير الآخذ مؤتمنا فان شاء أدّى، وان شاء لم يؤد. لكن هناك أمانات أخرى لم يعطها انسان لانسان انما أعطاها رب الناس لكل الناس، من هذه الأمانة التي هي عطاء من الله، العلم الذي أعطاه الله للناس فهو أمانة فلا تقل ان ما تعلمه للآخرين هو دين عليهم انما خو أمانة من الله عليك أن تؤديها لخلقه الذين لا يعلمون، كذلك الحلم أمانة، من الله عليك أن تؤديها لخلقه الذين لا يعلمون، كذلك الحلم أمانة، والشجاعة أمانة، وكل صفات الخير التي فيك أمانة وعليك أن تؤدي ضريبتها لخلق الله تعالى.
والأمانة في المال قد تكون واضحة، اما في بقية الأشياء فعلى الانسان أن يعرف أنه مؤتمن عليها، لأن صاحبها هو الله وهو خالقها فيك، لقد أمّن الله الانسان على المواهب المختلفة حتى يؤديها للغير، فينتفع المجتمع الانساني كله.
اذن فليس من الضروري أن تكون الأمانة أمرها واضح. فالألوهية حق لله وحده، فعليك أن توحّده ولا تشرك به أحدا وهذا أمانة عندك، والتزامك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمانة, وغيرتك على دينك ومجتمعك أمانة وفيما حباك الهه به من المواهب أمانة، فكل انسان أمين على موهبته فليؤدها الى غيره، وليعط أثرها لمن لا توجد عنده هذه الموهبة، لقد أعطى الله لهذا قوة في العضل، وثان قوة في الفكر، ولهذا قوة في الحلم، ولرابع قوة في العلم وغير ذلك من المواهب، كل هذه أمانات أودعها الله في خلقه ليكون أداؤها محققا للتكامل بين الخلق بين الخلق، فحين يؤدي كل انسان أمانته لغيره من البشر يصبح كل انسان موهب غيره من البشر.
وقمة الأمانة أن يعبد الانسان خالقه ولا يشرك به أحدا، والأمانة في التكاليف التي كلفك الله بها فيجب على كل انسان ان يؤدي ما كلفه الله به، وليعلم الانسان ان هذه التكاليف أمانة للغير عنده، فحين يكلفك الله بألا تسرق فهو سبحانه كلف الغير بألا يسرقوك.
اذن فكل أمانة عند الغير هي أمانة عندك أدى المجتمع الذي يحيط بك الأمانة التي عنده لك.
والأمانة اذا ضاعت كان ولا بدّ من العدل، لان الانسان اذا ما عاش في مجتمع يؤدي كل واحد ما فيه للغير عنده لما احتجنا الى التقاضي، لأن التقاضي انما ينشأ من خصومة وخلافات، فالتقاضي سببه أن واحدا أنكر حق غيره، فيذهب الاثنان الى المحكمة لتحكم بينهما بالعدل.
اذن, فاذا أدى كل واحد منا ما في ذمته من حق للغير لما وجد تقاض، ولما وجدت خصومة؛ ولذلك لا توجد في مثل تلك الحالة ضرورة للذهاب الى المحاكم للعدل بين الناس.

**

استقبال قضاء الله

الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الضر كما هو خالق النفع، والضر يلفت الانسان الى نعم الله تعالى في الدنيا فاذا ما رضي الانسان وصبر فان الله يرفع عنه الضر، فالضر لا يستمر على انسان الا اذا كان غير راض بقدر الله.
والحق سبحانه وتعالى لا يرفع قضاءه في خلقه الا بعد أن يرضى به الخلق، فالذي لا يقبل بقضاء الله في المصائب مثلا تستمر معه المصائب، أما الذي يريد أن يرفع الله عنه القضاء فليقل: رضيت بقضاء الله تعالى، ويحمد الله على كل ما أصابه.
والحق سبحانه وتعالى يعطينا نماذج على مثل هذا الأمر فها هو ذا الخليل ابراهيم عليه السلام يتلقى الأمر بذبح ابنه الوحيد اسماعيل عليه السلام، وهذا الأمر قد يراه غير المؤمن بقضاء الله شديد القسوة، وليس هذا فقط، بل على ابراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه بنفسه.. وهذا ارتقاء في الابتلاء، ولم يلتمس ابراهيم عذرا ليهرب من ابتلاء الله له، ولم يقل انها مجرد رؤيا وليست وحيا فقد جاء الأمر في رؤية أراها الله لابراهيم عليه السلام.
ولنتأمل عظمة الرضا في استقبال أوامر الله فيلهمه الحق أن يشرك ابنه اسماعيل في نيل ثواب الرضا فيقول له كما قصّ القرآن الكريم:{ فلما بلغ معه السعي قال يابنيّ انّي أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبي افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} الصافات 102
لقد بلغ اسماعيل ذروة السعي في مطالب الحياة مع أبيه، وجاء الأمر في المنام لابراهيم أن يذبح ابنه، وامتلأ قلب اسماعيل بالرضا بقضاء الله، ولم يقاوم، ولم يدخل في معركة جدلية بل قال:{ ياأبت افعل ما تؤمر} لقد أخذ اسماعيل عليه السلام أمر الله بقبول ورضا ولذلك يقول الحق سبحانه عنهما معا:{ فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا، انّا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم}.
لقد اشترك الاثنان في قبول قضاء الله برضا، وأسلم كل منهما للأمر، أسلم ابراهيم كفاعل، وأسلم اسماعيل كمفعول به, ورأى الله تعالى صدق كل منهما في استقبال أمر الله، وهنا نادى الحق خليله ابراهيم عليه السلام لقد استجبت أنت واسماعيل الى قضائي وحسبكما هذا الامتثال، ولذلك يجيء اليك والى ابنك التخفيف.
اذن، فنحن البشر لن نطيل على أنفسنا أمد القضاء بعدم قبولنا له، لكن لو سقط على انسان أمر بدون أن يكون له سبب فيه واستقبله من مجريه عليه وهو ربه بمقام الرضا فن الحق سبحانه وتعالى سرفع عنه القضاء، فاذا رأيت انسانا طال عليه أمد القضاء فاعلم أنه فاقد الرضا.

**

الانفاق ابتغاء مرضاة الله

يقول الله تعالى:{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل، والله بما تعملون بصير} البقرة 265.
ان ابتغاء مرضاة الله في الانفاق يعني خروج الرياء من دائرة الانفاق.
ان الانفاق يكون أولا انفاقا في سبيل الله، ويكون ذلك باعتقاد النفس الجازم أن الله سبحانه هو الذي وهب المؤمن ماله ودمه، ولذا كيف يهون شيء في سبيل مرضاته.
والجنة تطلق في اللغة: على المكان الذي يوجد به زرع كثيف أخضر يستر من يدخله، ومنها: " جنّ" أي ستر فمن يدخل الجنة يكون مستورا.
الحق سبحانه بريد أن يضرب لنا المثل الذي يوضح الصنف الثاني من المنفقين في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وتثبيتا من أنفسهم ضد الأنفس الشهوانية، فيكون الفرد منهم كم دخل جنة كثيفة الزرع، هذه الجنة توجد في ربوة عالية محاطة بأمكنة منخضة عنها فماذا يفعل المطر بهذه الجنة التي توجد على هذه الربوة؟
الله سبحانه أخبرنا بما سيحدث لمثل هذه الجنة قبل أن يتقدم العلم الحديث، ويكشف أسرار المياه الجوفية وفائدتها للزراعة، وهو أن الجنة التي في ربوة عالية لا يوجد بها مياه جوفية، لأن المياه الجوفية ان وجدت فانها تذهب الى جذر النباتات الشعرية فتفسدها بالعطن، فلا تستطيع هذه الجذور أن تمتص الغذاء اللزم للنبات فيشحب النبات بالاصفرار ويموت بعد ذلك.
أما الجنة التي بربوة عالية، فالمياه التي تنزل عليها من المطر لها مصارف من جميع الجهات المنخفضة التي حولها، وكأنها ترتوي بأحدث ما توصل اليه العلم من وسائل الري، انها تأخذ المياه من أعلى أي من مطر، فتنزل المياه على ألأوراق بما يجعلها تؤدي دورهها فيما نسميه نحن بالتمثيل الكلورفولي، وبعد ذلك تنساب المياه الى الجذور لتذيب العناصر اللازمة في التربة لغذاء النبات، وتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب في الماء، وينزل الماء الزائد من ذلك الى المصارف المنخفضة، وهذا أحدث اكتشاف لري الأرض الزراعية، فالمحصول يتضاعف انتاجه عندما يروى بقدر.
اذن فالحق سبحانه وتعالى يخبرنا أن من ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم هم مثل هذه الجنة التي تروى بأسلوب رباني، فاذا نزل عليها المطر الغزبر أخذت منه حاجتها وينصرف باقي المطر عنها، وان لم يصبها مطرغزير فطل، والطل، وهو الرذاذ القليل يكفيها، لتؤتي ضعفين من انتاجها، واذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء مرتين، فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات، ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يوضح لنا ان الذي ينفق ماله ابتغاء وجه الله، هو غير الذي ينفق ماله رئاء الناس فيقول سبحانه:{ أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها اعصار فيه نار فاحترقت، كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} البقرة 266.
الحق سبحانه وتعالى يشركنا في الصورة كأنه يريد أن يأخذ منا الشهادة الواضحة، فهل يود أحكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، وفيها من كل الثمرات ؟ ان الجنة بهذه الصفة فيها خير كثير، لكن صاحبها يصيبه الكبر ولم تعد فيه صحة وفتوة الشباب.. انه محاط بالخير وهو أحوج ما يكون الى ذلك الخير، لأنه أصبح في الكبر وليس له طاقة يعمل بها.
وهكذا تكون نفسه معلقة بعطاء هذه الجنة لا لنفسه فقط، ولكن لذريته الضعفاء.
هذه قمة التصوير للاحتياج الى الخير لا للنفس فقط ولكن للأبناء الضعفاء، اننا أمام رجل محاط بثلاثة ظروف:
الظرف الأول: هوالجنة التي فيها من كل الخير.
الظرف الثاني: هو الكبر والضعف والعجز عن العمل.
الظرف الثالث: هو الذرية الضعفاء.
هذه الجنة هاجمها اعصار فيه نار فاحترقت فأي حسرة يكون فيها هذا الرجل؟ انها حسرة شديدة، هكذا تكون حسرة من يفعل الخير رئاء الناس.
والاعصار كما نعرف هو الريح الشديدة المصحوبة برعد وبرق وأحيانا يكون فيه نار وذلك حين تكون الشحنات الكهربائية ناتجة من تصادم السحب أو حاملة لقذائف نارية من بركان ثائر. هكذا يكون حال من ينفق ماله رئاء الناس، ابتداء مطمع وانتهاء يائس.
اذن فكل انسان مؤمن عليه أن يتذكر ساعة أن ينفق هذا الابتداء المثير للطمع وذلك الانتهاء المليء باليأس، انها الفاجعة التي يصورها الشاعر بقوله:
فأصبحت من ليلة الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع
كلما أبرقت قوما عطاشا غمامة فلما رأوها اقشعت وتجلت





















القسم الثاني
الرذيلة ومداخلها

الحسد

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الواقع المعاصر أثبت أنه كلما يترقى العلم يمنحنا فكرة، عن أن الشيء كلما شف أ, ل
ف أصبح دقيقا. أي: يكون أكثر عفنا.
وعلى سبيل المثال: انسان بنى بيتا في حقل متسع فمر عليه صديق له وقال: ألا تعرف أن هنا في الخلاء المتسع ذئبا؟ وأوصى الصديق صاحب البيت بأن بني نوافذ من حديد ليمنع الذئاب من أن تدخل عليه.
ثم مرّ عليه ثان فقال له: ان حديد شبابيك المنزل متسع، والثعابين في هذا الخلاء كثيرة وأوصى صاحب البيت أن يضع ستارة من السلك.
لكن صديقا ثالثا قال لصاحب المنزل: ان الناموس الفتاك بالملاريا منتشر، وعليك أن تضع ستائر من السلك أكثر ضيقا من هذه.
اذن فالشيء كلما لطف عنف، أي كلما صغر الشيء في الحجم كان عنيفا أكثر، والعنف ليس مرتبطا بحجم المادة، انما من عمق فاعلية المادة وتأثيرها، وعلوم الطب تكشف كل يوم عن الأمراض الخطيرة الفتاكة، وقد تكون بسبب أصغر الميكروبات حجما، كما أن هناك الآن أشعة الليزر التي يتم بها اجراء عمليات جراحية بدون مشرط أو نزول قطرة دم، هذه الأشعة تخترق أدق وأصلب الأشياء.
والحسد أمر مقطوع به برغم أنه ليس من الأمور المادية، فلماذا ننكر على الحاسد أن بصره قد تصدر عنه اشعة أشف وأخف من أشعة اللايزر؟
قد يقول قائل: وما ذنب المفتوك به من الحسد؟
نقول أيضا: وما ذنب المقتول خطأ برصاصة؟
وقول الحق سبحانه:{ ومن شر حاسد اذا حسد} الفلق 5, أي: أن بعض الناس يحسد، ولذلك عندما يرى الانسان نعمة الله على انسان آخر فعليه أن يقرأ سورة الفلق، وليقل ما شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله ولا يحقد على صاحب النعمة. جينئذ تعلق في قلبه نوافذ الاشعاع الحاسد، لأن هذه الاشعاعات النافذة لا تخرج الا في حالات الحقد والغضب.
اذن فالانسان حين يقول: ما شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله، فانه يقي نفسه من أن يكون حاسدا، ويمنع غيره بقوة الحق سبحانه وتعالى من أن يكون حاسدا له.
ان الحسد والسحر هما من الشرور غير المرئية التي تتساوى معه الشرور المرئية، وان كانت أدواتهما غاية في اللطف والعنف في آن واحد.
والانسان الذي يحقد هو انسان يعاني من تضارب الملكات، حتى انه يبدو وكأنه يأكل بعضه بعضا، فالحقد جريمة نفسية لم تتعد الحسد، ويقال عن الحقد أنه الجريمة التي تسبقها عقوبتها، وهي عكس أي جريمة أخرى نجد أن عقوبتها تتأخر عنها الا الحقد، وذلك أن عقوبة الحقد تنال صاحبها من قبل أن يحقد.
الحاقد لا يحقد الا لأن قلبه ومشاعره تتمزق عندما يرى المحقود عليه في خير، ولذلك جاء في الأثر:" حسبك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك".

**

الاسراف

الله سبحانه وتعالى حين يحرّم سيئا فمن المؤكد أنه محدود بالنسبة الى ما أحله سبحانه، فالمحرّم قليل، وبقية مالم يحرمه الله هو الكثير واقرأ قول الله تعالى:{ قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا، ولا تقتلوا أولادكم من املاق، نحن نرزققكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله الا بالحق، ذلكم وصّاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفسا الا وسعها، واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصّاكم به لعلكم تذكّرون} الأنعام 151، 152.
ان الحق سبحانه يورد المحرمات وهي أشياء محددة محدودة، أما النعم فهي جليلة عظيمة اكثر من أن تحصى وتعد، ومن هذا الأمر نعرف سعة رحمانية الحق بالخلق، لقد خلق سبحانه الكثير من النعم ولم يحرم الا القليل، وسبحانه حين حرّم؛ حرّم لتبقى كل نعمة في مجالها فاذا ما جاء انسان وقال: ان الله قد حرّم هذا الشيء لأنه ضار، نقول له: ان ما تقوله أمر جائز ولكن هذا الضرر سبب الحكم بكل المحرمات فقد يحرّم الله سبحانه أمرا لتأديب قوم ما، فلو نظرنا نحن الى واقعنا مقلا نجد أبا مسؤولا عن تربية أولاده قد يحرّم على ولد فيهم لونا من الطعام أو جزءا من مصروف اليد ويكون القصد من ذلك العقوبة.
وكذلك نرى أن بني اسرائيل استحقوا عقوبة التحريم لأنه جاءوا من خلف منهج الله وأحلوا لأنفسهم ما حرّم الله، فكأن الله سبحانه يقول لهم: لقد اجترأتم على ما حرمت فحللتموه، لذا فأنا أحرم عليكم ما أحللته لكم من قبل ذلك، لماذا؟
حتى لا يفهم انسان أنه بتحليله لنفسه ما حرم الله قد أخذ شيئا من وراء الله.. لا، ان أحدا لا يمكنه أن يغلب الله سبحانه، فالله سبحانه قج يحرم عليك شيئاكان حلالا، ولهذا فالتحريم اما أن يكون تحريم طبع أو تحريم فطرة.
فنحن نجد الرجل الذي أسرف على نفسه في تناول محرمات كالخمر مثلا ثم بعد أن أخذت بجسده ذهب الى الطبيب فقال له ان شربتها ثانية سينتهي كبدك، ثم يمنعه عن أصناف كثيرة من الطعام والشراب فهذا ظلم من الانسان لنفسه نتج عنه تحريم أشياء عليه، ان مثل هذا الانسان قد استحل ما حرم الله فحرم الله عليه بالطبع والتكوين والسنة الكونية أمورا كانت حلالا له.
ورجل آخر أسرف على نفسه في تناول صنف معيّن من الطعام كالسكّر مثلا فوق ما تدعو اليه الحاجة فكأن سنة الله الكونية تقول له: لقد أخذت من السكر أكثر من حاجتك وبسبب ذلك صرت مريضا فاياك أن تتناول السكريات مرة اخرى، ويضل المريض بالسكر يشتهي الحلوى، ويملك القدرة على شرائها ولكنها ممنوعة عليه، وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول له: بظلم منك لنفسك حرمت على نفسك ما أحللته لك.
وآخر يملك الثروات والخدم والمزارع الشاسعة ويقوم له الآخرون بطحن الغلال، ويأمر بأن يصنع له الخبز من أنقى أصناف الدقيق الخالي من الردة ويصنعون الخبز الأبيض ويأكل منه، بينما الأتباع يصنعون لأنفسهم الخبز من الدقيق الأقل نقاوة فكأن سنة الله الكونية تقول له: أنت ستأكل الخبز المصنوع من الدقيق الفاخر، وليأكل عمالك ورعاياك الخبز المصنوع من أفخر أنواع الدقيق، وكأن الله تعالى يقول له: فبظلم منك حرمنا ما أحل لك.
اذن، فالانسان منا عندما يرى انسانا آخر حرم من نعم الله التي هي حلال فليعلم أن ذلك الانسان سبق وأن أحل ما حرم الله عليه، أو ظلم نفسه بالاسراف في شيء كانت الفطرة والطبع تقتضيان الاعتدال فيه، ان أحدا منا لا يفلت من رقابة الله، والتحريم يكون بالتشريع اذا كانت العقوبة من المشرّع، وقد يكون تحريما بالطبع، وهذا ان كان في الأمر اسراف من النفس، ولنقرأ دائما قول الله تعالى:{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدّهم عن سبيل الله كثيرا} النساء 160.
وكذلك الذي يأخذ مالا بالربا، انه يأخذه ليزيد ماله، هنا نقول له: لماذا تريد المال؟ أتريده لذات المال أم لهدف آخر؟ المال رزق، ولكنه رزق غير مباشر، لأنه بشتري الأشياء التي ينتفع بها الانسان وهي الرزق المباشر، نقول: هب أن انسانا في صحراء ومعه جبل من الذهب لكن الطعام انقطع عنه، ان جبل الذهب في مثل هذه الحالة لا يساوي شيئا بل يصبح رغيف الخبز وكوب الماء أغلى من الهب.
اذن، فالمال رزق لكنه غير مباشر يأتي بالرزق المباشر. والذي يزيد ماله بالربا، هل يريد تلك الزيادة من أجل المتعة؟ فليعلم أن الله سبحانه يمحق ذلك ويزيل المال في الكوارث.
ان الانسان اذا أراد أن يبقى له ما أحل الله الى أن يأتي أجله فعليه ألا يستبيح أي شيء حرمه الله، وبذلك يظل مستمتعا بنعم الله عليه.

**

الظلم

يقول الله تبارك وتعالى:{ وما ربك بظلام للعبيد} فصلت 46.
اذن، فالانسان هو الذي يظلم نفسه، ويقول الحق سبحانه:{ ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} يونس 44.
فاياك أيها الانسان أن تظن أنك حين تظلم أحدا بتدبير السوء له قد كسبت الدنيا، وهذا غير صحيح، ولو علم الظالم ماذا أعدّ الله للمظلوم لضن عليه بظلمه.
وهب أن رجلا مثلا له ولدان وجاء ولد منهما وضرب أخاه، أو خطف منه شيئا ان معه ثم عرف الأب ذلك، قلب هذا الأب مع من يكون؟ قلبه بالطبع يكون مع المظلوم فيحاول أن يرضيه، فان كان الأخ الظالم قد أخذ منه شيئا يساوي عشرة قروش فان الأب يعوّضه بشيء يساوي مائة قرش، هنا نجد الابن الظالم يعيش في حسرة لأنه لو علم مسبقا أن والده سيكرم أخاه المظلوم لما ظلم أخاه أبدا.
ان الظلم ظلمات يوم القيامة، ومن المفارقات التي تروى مفارقة تقول: ان كنت ولا بد مغتابا فاغتب أبويك، ويقول السامع لذلك وكيف أغتاب أبي وأمي؟!
يقول اًصحاب المفارقة: ان والديك أولى بحسناتك فبدلا من أن تعطي حسناتك لعدوك ابحث عمن تحبهم وأعطهم حسناتك.
ان صاحب المفارقة هذه يريد أن يكره المغتاب فيها، وحيثية هذه المفارقة هي: لا تكن أيها المغتاب أحمق، لأنك لا تغتاب الا عن عداوة، وكيف تعطي حسناتك التي هي أثمن نتيجة لأعمالك لعدوّك.
ويروى أن الحسن البصري بلغه أن أحدا قد اغتابه فأرسل الحسن شخصا الى المغتاب ومعه ضبق من البلح الرطب وقال لهذا الشخص: اذهب بهذا الطبق الى فلان وقل له: بلغ الحسن أنك اغتبته بالأمس، وهذا يعني أنك أهديت له حسناتك، وحسناتك بلا شك أثمن من هذا الرطب.
ان الظلم كالجور.. وهو نوع من الاعتداء أو القسر أو القهر أو انتقاص القدر والقيمة، ويقابل الظلم الانصاف كما يقابل الجور العدل.
الظلم اذن، انتقاص حق الناس، فما بالنا عندما ينتقص الانسان من حق نفسه، أي: أن يظلم نفسه، وظلم النفس هو أبشع ألوان الظلم فالنفس كرّمها الله وخلقها، فقد كانت تستحق من الانسان أن يرعاها وأن يحقق مراد الله منها، وأن يمنع عنها الحاح اشتهاء ما يغضب الله. يقول الحق شيحانه وتعالى:{ والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العاملين} آل عمران 135، 136.
ان ظلم النفس يعني: أن يبيع الانسان دينه بدنيا غيره، فهو لا يحقق لنفسه أي نفع آجل أو عاجل.
وقديما قالوا: شر الناس من باع دينه بدنياه، وشر هؤلاء الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.
لهؤلاء وأولئك كتب الله لهم الطريق الى النجاة، وذلك بأن يذكروا الله، وأن يستغفروا ، وألا يعودوا الى مثل تلك الفواحش، أو ظلم النفس حتى يغفر الله لهم، ويرزقهم الجنة، ذلك أن الله لا يظلم أحدا ولكن الناس يظلمون أنفسهم، لأن الناس تنقص قدرها من النافع الباقي ويقعون أسرى للذي يزول.

**

السخرية والاستهزاء بالناس

ان الاستهزاء بالناس أو السخرية من عيوب أحد الناس هو دليل على عدم تمكن الايمان من النفس، وذلك بأن الله خالق لكل البشر، فهذا المخلوق الذي به عيب خلقي، ليس له دخل في ذلك العيب، وانما هي مشيئة الله الذي خلق هذا المخلوق على تلك الصورة لحكمة اقتضت ذلك لا يعلمها الا الله سبحانه. وعندما يسخر انسان ما من عيب انسان آخر فمعنى ذلك ان الساخر انما يسخر من صنعة الله، والسخرية من هذا النوع هي عدم ايمانية النفس لمخلوقية كل البشر من اله واحد.
اذن، فالذي يبحث عن عيوب البشر فهو يبحث عن عيوب أرادها الله سبحانه وتعالى لحكمة في مونه، وما دامت لحكمة فهي ليست عيوبا.
فمثلا حين يعيب انسان على صناعة كرسي أو مائدة فهذا ليس تعديلا على الكرسي أو على المائدة ولكنه تعديل على من قام بصناعة الكرسي أو المائدة.
لذا فكل من يسخر من انسان به عيب، فليعلم أن الانسان لا حيلة له في صنع نفسه.
اذن فالسخرية هنا تكون من خلق الله، وهذا نوع من الغباء، لأن الذي يسخر من عيب انسان فانه لم يقدر الخصال الحميدة التي يتفضل بها الله على هذا الانسان الذي سخر منه، لذلك يقول سبحانه:{ ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الايمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} الحجرات 11.
ان الحق سبحانه وتعالى يأمر كل المؤمنين بألا يسخر أحد من أحد، لأن كل انسان فيه من الخصال الحميدة التي تعمى عنها بصيرة الساخر، وقد يكون في الساخر نفسه بعض الخصال السيئة التي لا يحب أحد أن يسخر منها.
ان في السخرية خروجا عن مقتضى الايمان الكامل، وظلما للغير والنفس، ويجب أن نعرف أن الله قد وزع علينا الصفات والمواهب المختلفة بدرجات متفاوتة، ولكن اخيرا يتساوى مجموع الصفات والمواهب المختلفة بدرجات متفاوتة، ولكن أخيرا يتساوى مجموع صفات كل انسان مع صفات أي انسان.

**


الفساد

يأتي الفساد من أن ينقل الانسان سلوكا من مجال افعل الى مجال لاتفعل، وأن ينقل الانسان سلوكا من مجال لا تفعل الى مجال افعل.
مثال ذلك: أن المنهج الالهي يقتضي أن يشهد الانسانبأن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، فالانسان الذي يعلن ذلك هو الذي عليه أن يتقبّل تكليف الله، والانسان الذي ينكر ذلك هو الذي ينقل سلوكا من مجال افعل الى مجال لا تفعل، ذلك أن قول: أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله، هذا القول هو تجديد للعهد الذي بين العبد وبين خالقه سبحانه، وبالتالي فهو التزام كامل بمنهج الله تعالى.
وكذلك الانسان الذي يعرف أن الصلاة ركن أساسي تقوم عليه حياة الانسان في الايمان، فهذا الانسان ان أخلص في أداء الصلوات الخمس كان ذلك عاصما له من زلات الشيطان أو اتباع الهوى وكذلك الصيام والزكاة، وأيضا عندما يامر الحق سبحانه وتعالى عبده بألا يشرب الخمر مثلا عندئذ فالعبد الذي يطبق منهج الله هو الذي ينتهي على الفور من شرب الخمر، والعبد الذي يظل في الشرب هو من خالف منهج الله تعالى في افعل ولا تفعل.
اذن، فالافساد في الأرض هو من آثر هواه على منهج الله. مثل الذي يأكل أموال الناس بالباطل ويكثر من اغتصاب عرق وتعب الآخرين فهذا انسان لا يطبق منهج الله وهو مفسد في الأرض.
لذا يجب أن نطبق هذه القاعدة في سلوك كل انسان وهي: أن من يطبّق منهج الله فقد أصلح نفسه، وانسجم مع أوامر خالقه، ونال رضا الله بعد أن قام بمسؤولية الاختيار، وأداها كما يجب أن تؤدى.
أما من لا يطبق منهج الله فقد أفسد نفسه، وأفسد سلوكه.
ذلك لأنه وقف من منهج الايمان من موقف السلب، فلم ينفذ أمر الله، وقد أخل بعهده مع الله.
وهكذا نرى ان خروج الانسان بفعل ما من مجال الى مجال في تشريعات الله تنطبق عليه العناصر الثلاثة التي حددها الله في وصفه للفاسقين أو احدهما، وهي:
نقض العهد.
قطع لما أمر الله أن يوصل.
افساد في الكون.
ان المجتمع عندما لا ينتظم الأفراد فيه بمنهج الله تعالى تجده مضطربا؛ لأن كل انسان سيفعل ما يحلو له، فسنجد التصادم في سلوك البشر ورغباتهم، وسنجد النقض للعهد، والقطع لما أمر الله به أن يوصل والافساد في الأرض.
ان الفساد قبح لجمال الوجود، ذلك أن المفسد في الأرض هو الذي يخرج الشيء عن حد اعتداله لمهمته، ولنا أن نعرف أن فعل المفسد في الأرض يشكل قبحا في الوجود، وينطبق الافساد في الأرض على المستغل لحاجات البشر فمثل الذي يخفي سلعة لها هامش ربح محدود وينكرها ليزيد من ارتفاع الأسعار بما يفوق طاقة البشر، وكذلك المستغل لحاجات البشر في الاسكان فيأخذ اموال الناس ليبني بها ولا يعطيهم حقوقهم ويستغل احتياجاتهم اليه فيقوم بسلب أموالهم. هذا افساد في الأرض، لأنه قهر من انسان قادر لانسان غير قادر، ونشر للكراهية بين البشر، وخروج عن مقتضى منهج الله، هذا القبح والافساد هو كافساد الصانع لصنعته، أو كالسباك الذي ينفذ شبكة للصرف الصحي في مبنى جديد فلا يتقن صنعته فيفسد المبنى كله. ان في ذلك هدرا لامكانات كان بالامكان أن يستفيد منها المجتمع كله في مجال من المجالات.
ان المهندس أو المقاول الذي لا يقيم البنيان على أسس سليمة فهو لا يصون حياة البشر الذين يسكنون فيه، فهذا الانسان هو مفسد في الأرض، ولكن في المجتمع المؤمن رباط الايمان يقتضي في رزقه، ويفتقد التواصل مع ضميره الايماني، كما يفتقد الاحساس بأخوة الايمان، وعندما نجد مهملا أو مفسدا أو حتى مغاليا في الثمن فاننا نسمع صيحة افتقاد الصانع أو الموظف للذمة، وتنتشر في المجتمع روح الأنانية، والفردية التي لا تعرف التآخي الايماني.
وهكذا نجد ان مفسدا واحدا أو قلة من المفسدين أو المستغلين ينشرون الرذيلة في المجتمع كله، فكيف يكون الحال لو تعاون الناس على الاثم؟ انهم ان فعلوا ذلك هدموا الخير كله.. والتعاون على الاثم يبدأ من كل من يعين على أمر يخالف أمر الله في افعل ولا تفعل.
والذي يامر بتطبيق أمر الله في افعل وينتهي بأمر الله لا تفعل هو من المتعاونين على البر والتقوى، ومن يعمل ضد ذلك فهو من المتعاونين على الاثم والعدوان، لماذا؟ لأنه ينقل الأفعال من دائرة افعل الى لا تفعل، وينقل النواهي من دائرة لا تفعل الى دائرة افعل.
مثال ذلك من يؤلف أغنية خليعة مثيرة ومهيجة للغرائز فهذه تكون أول لبنة في الاثم، ثم يلحنها ملحن بايقاع يساعد على ذلك فهذه اللبنة في التعاون على الاثم، ثم يغنيها ثالث بايحاءات مثيرة للغرائز فهذه درجة ثالثة من التعاون على الاثم، والذي يصفق الربا لهذا هو متعاون على ذلك أيضا، ولهذا يقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} المائدة 2.
هذا القول هو أساس عمارة الكون، وكما أنه أساس منع الفساد في الكون.
كذلك الذي يرتشي والذي يسهل عملية الرشوة. والذي يحمل الخمر للناس والذي يشربها والذي يدلس كل هؤلاء متعاونون على الاثم والعدوان، حتى ان البواب الذي يجلس أمام مدخل العمارة ويعلم أن بها بيتا يدار في أعمال مشبوهة كلعب القمار أو الدعارة أو ما شابه ذلك من المفاسد ويأخذ الثمن على ذلك فهو من المتعاونين على الاثم.

**

الخيانة

يقول الحق سبحانه وتعالى:{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، ان الله لا يحب من كان خوّانا أثيما} النساء 107.
يأمر الله سبحانه وتعالى بعدم المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم، والجدل من الفتل، فالانسان حين يفتل شيئا كأن يحضر بعضا من الشعر والصوف أو الليف ويجدله ليصنع منه حبلا فانه يفتل هذا الغزل ليقويه ويجعله يتحمل الشد والجذب، ولذلك يقال عن مثل هذه العملية : اننا نجدل الحبل لنعطيه قوة. فكذلك شأن الخصمين كل واحد يريد أن يقوي حجته ضد الآخر فيحاول جاهدا أن يقوها بما يشاء من اساليب العقل أو الفصاحة.
والقرآن حين يعدل عن يخونون أنفسهم الى { يختانون أنفسهم} فلا بد أن لهذا معنى كبيرا, ان الخيانة هي أخذ ما ليس بمستحق، أي بغير حق، وقد تسوّل للانسان نفسه أن يخون غيره لكن هل من المقبول أن يخون الانسان نفسه؟!
ان الانسان قد يخون من أجل مصلحة نفسه، لكن لا يخون نفسه.
وعلينا ألا نأخذ المسألة بعجل أثر الخيانة ذلك لأن الانسان حين يريد أن يعطي لنفسه شهوة عليها عقوبة فهذه خيانة للنفس، لأن الانسان في مثل هذه الحالة أغفل العقوبة عن الشهوة؛ ان الشهوة عابرة لكن العقوبة باقية وهذه خيانة للنفس.
الانسان الذي يخون الناس انما يخون نفسه فاذا ما خان الانسان نفسه فهي عملية ليست سهلة وتتطلب افتعالا، ومن هنا جاء قول الحق سبحانه:{ يختانون أنفسهم} لأن في ذلك عملية افتعال للخيانة ولذلك قال الحق سبحانه:{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، ان الله لا يحب من كان خوّانا أثيما}.
ثم قال الحق بعد ذلك:{ انّا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما} النساء 105.
قال الله سبحانه وتعالى:{ للخائنين} ولم يقل خوّانين لماذا؟ ان الخائن تصدر منه الخيانة مرة واحدة، أما الخوّان فتصدر منه الخيانة مرات متعددة. أو يكون المعنى: هو أن الخائن تصدر منه الخيانة في أمر بسيط، أما الخوّان فتصدر منه الخيانة في أمر كبير.
اذن، فمرة تأتي المبالغة في تكرار الفعل، ومرة تأتي في تضخيم الفعل أي عندما نقول: فلان أكول وفلان أكال هذه مبالغة في اكل وأكول وهي مبالغة تكرار الفعل فالانسان العادي يأكل ثلاث مرات والأكول يأكل عشرات مرات مثلا. وقد يكون من الآملين لوجبة واحدة ولكنه يأكل أضعاف ما يأكل الانسان العادي اذن، فالمبالغة هنا تكون في تضخيم نفس الحدث أو في تكرار الحدث.
ان من لطف الله أنه لم يقل خائن، لأن الخائن هو من خان لمرة، وقد تكون عابرة وانتهى الأمر. ولم يخرجه الله سبحانه عن دائرة الستر والحب الا اذا أخذ الخيانة طبعا ومادة وحرفة وأصبح خوّانا، ولذا قال الله سبحانه وتعالى:{ ان الله لا يحب من كان خوّانا أثيما}.
وقد جاءت للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة أخذ ولدها بسرقة وأراد عمر ان يقيم على هذا الولد الحد، وجاءت الأم تبكي وقالت: يا أمير المؤمنين، والله ما فعل هذا الا هذه المرة، قال عمر: كذبت والله ما كان الله ليأخذ عبدا من أول مرة! ولذلك يقولون: اذا عرفت في رجل سيئة انكشفت وصارت واضحة فاعلم أن لها أخوات سابقات لها ولا يمكن أن يفضح العبد من أول سيئة، لأن الله سبحانه يحب أن يستر عبده، لذلك يستر العبد مرة وثانية ثم اذا استمر العبد في السيئة وأصر عليها، فضحه الله وكشف ستره.

**

الكيد

الكيد هو محاولة الانسان افساد الحال لآخر، أو لآخرين.
وهناك من يحاول الفساد بدون حيلة، فعندما يضبطه الانسان يقول: لا، أنا لم أفعل أي شيء، هذا هو الكيد.
ولا يقبل على الكيد الا الضعيف، لأن القوي يواجه ولا يكيد، ومثال ذلك: الضعيف هو من يدس السم للقوي فهذا احتيال افساد الحال، لكن القوي لا يفعل مثل ذلك بل يواجه، وحتى الذي يقتل نقول له: انك قليل الحيلة قليل الذكاء لأنك أثبت بمقدمك على قتله أنك لا تطيق حياته، وكانت الرجولة تقتضي منك أن تواجه خصمك بالمنطق.
والحق سبحانه وتعالى يقول عن كيد الشيطان:{ ان كيد الشيطان كان ضعيفا} النساء 76. فكيد الشيطان ضعيف، لأنه لا يملك قوة يقهر بها قلب الانسان ليقنعه، والكيد فيه اجتيال ولا يحتال الا الضعيف، وكلما كان الكائن ضعيفا للغاية كان كيده كبيرا ولذلك يقولون: المرأة أكثر لؤما من الرجل، ويستخدمون في التدليل على ذلك قول الحق سبحانه: { ان كيدكنّ عظيم} يوسف 28، ونقول لهؤلاء ما دام كيد النساء عظيما فلا بد ان ضعف النساء أعظم، ولذلك أراد الشاعر العربي أن يبرز هذا المعنى ابرازا واضحا حتى لا تتعجب فيقول:
وضعيفة فاذا أصابت فرصة قتلت كذلك قدرة الضعفاء
فالضعيف عندما يمسك بالخصم أو تمكنه الظروف منه فانه لا يتركه يفلت منه.
ان الضعيف يخاف من انتقام الخصم، لكن القوي يمسك بالخصم وبعد ذلك يتركه ويقول لنفسه: سأمسك به لأعاقبه ان فعل شيئا آخر، وهكذا نعرف أنه كلما كان الكيد عظيما فان الضعف يكون أعظم.

**

المن بالصدقة

يقول الله سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين} البقرة 264.
الذي يتصدق ويتبع الصدقة بالمنّ ةالأذى انما يبطل صدقته فخسارته تكون خسارتين:
الخسارة الأولى: أنه أنقص ماله بالفعل، لأن الله لن يعوّض عليه، لأنه أتبع الصجقة بما يبطلها وهو المن والأذى.
الخسارة الثانية: هي الحرمان من ثواب الله من عطاء هذه الصدقة.
الذي ينفق ماله ليقول الناس عنه أنه منفق، أوأنه حسن فعليه أن يعرف أن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا في هذا المجال أن الذي يدفع الأجر هو من عمل له العمل، فالانسان على محدودية قدرته يعطي الأجر على من عمل له عملا، والذي يعمل من أجل أن يقول الناس انه عمل فيأخذ أجره من قدرة البشر المحدودة، ولذلك قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذي يفعل الحسنة أو الصدقة ليقال عنه انه فعل " لقد فعلت ليقال وقد قيل" هذا الانسان يأتي يوم القيامة فيجد أن لا أجر له.
واياك أيها الانسان أن تقول: أنا أنفقت ولم يوسع الله رزقي، لأن الله قد يبتليك ويمتحنك فلا تفعل صدقة من أجل توسيع الرزق، لن عطاء الله عند المؤمن ليس في الدنيا فقط، ولكن الله قد يريد ألا يعطيك في الفانية ويبقى لك العطاء في الآخرة، وعندما تتأمل قول الحق سبحانه وتعالى في حق الذي ينفق ثم يتبع ما أنفق المنّ والأذى:{ فمثله كمثل صفوان عليه تراب} البقرة 264، الصفوان هو الحجر الأملس الذي نسميه بالعامية الزلط ويقال للأصلع صفوان رأسه أي رأسه أملس كالمروة، ومعنى كلمة أملس أي: لا مسام له، أو لا مسام يمكن أن تدركه بالعين المجردة انما يدرك الانسان هذه المسام بوضع الحجر تحت المجهر، وهذا الشيء عندما يكون ناعما يأتي عليه تراب وعندما يأتي المطر وينزل على التراب فلا يبقى من التراب شيئا على هذا الحجر الأملس، ولو كان بالحجر بعض من الخشونة لبقي شيء من التراب بين نتوءات الحجر.
اذن، فالذي ينفق ماله رئاء الناس هو كالصفوان المتراكم عليه تراب ثم عندما ينزل المطر على التراب فيزيله. وقوله:{ لا يقدرون على شيء مما كسبوا} أي: فقدوا القدرة على امتلاك أي شيء، لأن الله جعل ما عملوا من عمل هباء منثورا.

**





الكبر

لا يوجد كبرياء الا لله وحده، أما الانسان فهو من الأغيار، فالقوي يصيبه الضعف، والغني يصيبه الفقر، وان كان عالما فقد يفقد علمه لسبب ما، لذا فكل من أراد الاستعلاء والتكبر على غيره فليحاول أن يبحث عن شيء ذاتي في نفسه يستحق أن يتكبر به!
ومعنى ذلك أن يبحث عن شيء لا يسلب منه، ولن يجد أحد ذلك الشيء، لأن الوجود الانساني كله يطرأ عليه الأغيار، من غنى وفقر وضعف وقوة وصحة ثم ينتهي الكل بالموت.
لذلك فالمؤمن الصادق مع نفسه يعرف ان الكبرياء لله الواحد القهار وحده لا ينازعه فيه أحد.
اذن، فالمؤمن عليه ألا يحبط عمله بالاستعلاء على الخلق بما رزقه الله من مال، أ, موهبة من عمل ينبغ فيه، لأنه يعلم أن هذا كله من الله تعالى، وأن الله مستخلفه وناظر ما يفعل فيه، فيرى كل منا ربه ما يحب ويرضى.

**

الاحتيال والتكبر

يقول الحق سبحانه وتعالى:{ ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا} النساء 36.
ما هو الاختيال؟ وما هو الفخر؟
مادة الاختيال: كلها تدور على زهو لحركة لذلك نسمي الحصان من فصيلة الخيل، لأنها تتخايل في مشيها، وعندما يركبها الفرسان تتبختر بهم، ولذلك كلمة الخيلاء من هذه.
اذن، فالاختيال حركة مرئية، أما الفخر فهو حركة مسموعة، فالحق سبحانه وتعالى ينهى المؤمن أن يجعل صورته أمام الناس صورة المختال الذي يسير بعنجهية، ويعتبر نفسه مصدر النعمة فينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى:{ ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} الحج 9، 10.
أما الفخر: فهو أن يتشدق الانسان بكلام غير صحيح أو مبالغ فيه فيحكي عما فعله ويمجده ويعلي من شانه وكأنه مصدر كل عطاء البشر.

**

البخل

يقول الحق سبحانه وتعالى:{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} النساء 37.
البخل هو المشقة في العطاء، فعندما يطلب من شخص ما أن يعطي شيئا فانه يجد في العطاء مشقة. لذا فالمؤمن موصوف ببسط الكف، وأنه يسعد للعطاء، أما البخيل فقد يذهب به بخله أن يضن بالشيء الذي لا يضره بذله، ولا ينتفع بمنعه.
ان البخيل لا يرغب في الطعاء حتى ولو في ذات نفسه، واقرأ قول الشاعر حين يصوّر البخل والشح فانه وصف البخيل أنه يبخل على نفسه، واذا كان الانسان يبخل على نفسه فكيف يجود على غيره؟
كان الشاعر يذم شخصا اسمه عيسى وهو بخيل حتى على نفسه فيما لا يضره بذله ولا ينفع منعه، فيقول:
يقتر عيسى على نفسه وليس بباق ولا خالد
فلو يستطيع لتقتيره لتنفس من منخر واحد
انه بخيل الى الدرجة التي يضن بها على نفسه فلا يتنفس بفتحتي أنف، ولكنه يحاول أن يتنفس بفتحة واحدة لو استطاع.
وها هو ذا شاعر آخر يصور البخيل صورة تمنع البخيل الأريحية والكرم فيقول:
لو أن بيتك يا ابن عم محمد ابر يضيق بها فضاء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك ابرة ليخيط قدّ قميصه لم تفعل
انه بخيل حتى بابرة واحدة لو طلبها منه نبي الله يوسف عليه السلام الذي قد تمزق قميصه من دبر أثناء مراودة امرأة العزيز له عن نفسه.
هذا هو البخيل في خيال الشاعر، ولو أن نبيا كيوسف الصديق جاء الى هذا البخيل الذي يملك منزلا مليئا بالابر فلن يعطيه البخيل ابرة واحدة يخيط بها قميصه.
قال الحق سبحانه:{ ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير} آل عمران 180.
الحق سبحانه وتعالى يصنع للبخيل بما بخل به طوقا حول عنقه، فلو أن البخيل قد بذل قليلا لكان الطوق خفيفا حول رقبته يوم القيامة، لكن البخيل كلما منع نفسه من العطاء ازداد الطوق ثقلا.
ولقد قال الحق سبحانه وتعالى أيضا عن الذين يكنزون الذهب والفضة:{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} التوبة 34، 35.
وذلك يعني أن كل ما كنزوه من الذهب والفضة يحمى عليها في النار يوم القيامة لتكوى به الجباه، والجنوب جمع جنب.
اذن.. فالانسان العاقل هو من يخفف عن نفسه الكي بما يكنز.
والبخلاء عن عطاء الناس من مال الله لا يكتفون بما بخلوا به وهي خسيسة خلقية في نفوسهم يحبون أن تتعدى الى سواهم كأنهم عشقوا البخل ويؤلمهم أن يروا انسانا جوادا فيقول البخيل للمنفق في سبيل الله لاتفق.. لماذا؟ لأن البخيل يؤلمه أن يرى الكرم، ويجب أن يكون الناس كلهم بخلاء حتى لا يكون هناك من هو أفضل منه، فالبخيل يعرف ان الكرم أفضل من البخل، والدليل أنه يطلب من الناس جميعا أن يكونوا بخلاء وهؤلاء هم الذين قال فيهم الحق سبحانه وتعالى:{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}. النساء 37.
اذن.. فالبخيل هو من ضن ما آتله الله من فضله على من لم يؤت من فضل الله.
والبخل ليس في المال فقط، انما هو في كل موهبة من المواهب التي أعطاها الله لأحد من خلقه وتنقص عند الغير، فمن ضنّ بها فهو داخل في البخل، فالذي يبخل بقدرته على معونة العاجز على القدرة فهو بخيل، والذي يبخل بما عنده من علم على من لا يعلم فهو بخيل، والذي يبخل حتى على السفيه بالحلم فهو بخيل، فاذا كان الانسان يملك طاقة من الحلم فلماذا لا يبذلها على السفيه؟
اذن.. فمن معاني البخل هو أن يمنع الانسان شيئا قد وهبه الله له عن مخلوق محتاج، فمثلا ذلك البارع في صنعة ما يضن بأسرارها على تلاميذه، هذا لون من البخل كما يقول الحق سبحانه:{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} النساء 37.
وقوله تعالى:{ ويكتمون ما آتاهم الله من فضله، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} النساء 37.
ان الكتم هو: منع شيء يريد أن يخرج بطبيعته، فيحاول الكاتم كتمه، فعندما يجرح انسان فهو يكتم الدم، لأنه ان لم يكتم الدم فان الانسان ينزف حتى يصفى دمّه. وكأن المال والعلم وكل موهبة خلقها الله يريدها أن تظهر وتنتشر بين الناس، لذا فان الفطرة الطبيعية في كل رزق مادي أو رزق معنوي هو أن يستطرق بين البشر فكل شيء مخلوق لخدمة الانسان.
فعندما يأتي انسان ليكتم شيئا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عمرو عبدالرازق
مشرف عام
مشرف عام
عمرو عبدالرازق


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1252
المجهود والاسهام في المنتدي : 1633
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
العمر : 42
علم الدولة : تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى EgyptC

تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى   تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى I_icon_minitimeالسبت مايو 22, 2010 10:56 pm

بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كريم
عضو برونزي
عضو برونزي
كريم


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 67
المجهود والاسهام في المنتدي : 100
تاريخ التسجيل : 18/05/2010
العمر : 42
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : غرفة شركات ووكالات السفر والسياحه
علم الدولة : تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى EgyptC

تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى   تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى I_icon_minitimeالسبت مايو 22, 2010 11:13 pm

ارجو ان تقرأة كاملا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالمنعم الامير السنبسى
عضو برونزي
عضو برونزي



عدد المساهمات : 92
المجهود والاسهام في المنتدي : 139
تاريخ التسجيل : 29/06/2010

تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى   تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 08, 2010 10:01 pm

شكرا لك جعله الله فى ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع موضوع بين الفضيله والرزيله للشيخ محمد متولى الشعراوى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع موضوع كيف اتوب2
» أهلاً سيد .. علاء .. محمد سند .... محمد قناوي .... سامح
» خلى بالك من البدع قبل رمضان للشيخ ابو اسحاق الحوينى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي أبناء السنابسة  :: اسلاميات :: قسم الحديث الشريف-
انتقل الى: