منتدي أبناء السنابسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الزائر الكريم مرحبا بك في منتدي أبناء السنابسة يسعدنا تواجدك معنا
يمكنك التسجيل في المنتدي وتاكيد التسجيل عن طريق الرسالة التي تصل للايميل الخاص بك
منتدي أبناء السنابسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الزائر الكريم مرحبا بك في منتدي أبناء السنابسة يسعدنا تواجدك معنا
يمكنك التسجيل في المنتدي وتاكيد التسجيل عن طريق الرسالة التي تصل للايميل الخاص بك
منتدي أبناء السنابسة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


[[[ فكر متجدد *** ونقاش بنـّاء *** وعطاء بلا حدود ]]]
 
الرئيسيةشات منتدي أبناءأحدث الصورالتسجيلدخول
قوانين المنتدي ............... بسم الله الرحمن الرحيم السادة الاعزاء اعضاء وزوار المنتدي المنتدي هو منتدي الجميع وليس منتدي احد بعينه فساهموا معنا للنهوض به وجعله علي المستوي الذي يليق بنا ................. السادة الاعضاء الرجاء عند التسجيل عدم التسجيل باسماء رمزية والتسجيل بألاسماء الحقيقية حتي نتمكن من معرفة من هو متصل معنا ................... اسادة الاعضاء والزوار اي وجهة نظر علي المنتدي تعبر عن وجهة نظر صاحبها وإدارة المنتدي غير مسؤولة عن وجهات نظر اعضاء المنتدي ...............السادة الاعضاء برجاء عند المشاركة في المنتدي عدم التجريح في احد وعدم التشهير بأحد ................. أي موضوع يخالف هذه القوانين سيتم حذفه من قبل الادارة دون الرجوع الي صاحب الموضوع .................. وتقبلوا تحيات ادارة المنتدي وأتمني لكم مشاركات سعيدة
 
أذكر الله
الساعة الان
الساعة الان

بتوقيت السنابسة - جميع الحقوق محفوطة منتدي ابناء السنابسة2010

مواضيع مماثلة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 281 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Hany el asshry فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 5853 مساهمة في هذا المنتدى في 1156 موضوع
زوار المنتدي
free counters

 

 مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عمرو عبدالرازق
مشرف عام
مشرف عام
عمرو عبدالرازق


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1252
المجهود والاسهام في المنتدي : 1633
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
العمر : 42
علم الدولة : مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع EgyptC

مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع Empty
مُساهمةموضوع: مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع   مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع Emptyالسبت أبريل 24, 2010 1:25 am

بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى
فَلَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ : سِتّةُ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كُلّهُمْ مِنْ الْخَزْرَجِ . مِنْهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ السّلَمِيّ . فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا . ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ . فَنَشَأَ الْإِسْلَامُ فِيهَا ، حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ إلّا وَدَخَلَهَا . فَلَمّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ جَاءَ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا - السّتّةُ الْأُوَلُ . خَلَا جَابِرًا - وَمَعَهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَغَيْرُهُمْ . الْجَمِيعُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
وَكَانَ السّتّةُ الْأَوّلُونَ قَدْ قَالُوا لَهُ - لَمّا أَسْلَمُوا - إنّ بَيْنَ قَوْمِنَا مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالشّرّ مَا بَيْنَهُمْ . وَعَسَى اللّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِك ، وَسَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِك . فَإِنْ يَجْمَعَهُمْ اللّهُ عَلَيْك فَلَا رَجُلٌ أَعَزّ مِنْك ، وَكَانَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَخَوَانِ لِأُمّ وَأَبٍ . أَصْلُهُمْ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ سَبَأٍ . وَأُمّهُمْ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلٍ - امْرَأَةٌ مِنْ <78> قُضَاعَةَ - وَيُقَالُ لَهُمْ لِذَلِكَ أَبْنَاءُ قَيْلَةَ . قَالَ الشّاعِرُ .
بَهَالِيلُ مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمْ خَلِيطٌ فِي مُخَالَطَةِ عُتْبَا
فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ قَتِيلٍ فَلَبِثَتْ بَيْنَهُمْ الْحَرْبُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَنْ أَطْفَأَهَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ . وَأَلّفَ بَيْنَهُمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ ( 3 : 103 ) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا - الْآيَةَ .
فَلَمّا جَاءَهُ الِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا الْعَام الْآتِي - الّذِينَ ذَكَرْنَا - وَمِنْهُمْ اثْنَانِ مِنْ الْأَوْسِ : أَبُو الْهَيْثَمِ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَالْبَاقِي مِنْ الْخَزْرَجِ .
فَلَمّا انْصَرَفُوا بَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ وَيُعَلّمَهُمْ الْإِسْلَامَ . فَنَزَلَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ - أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ - فَخَرَجَ بِمُصْعَبٍ - فِي إحْدَى خُرُجَاتِهِ - فَدَخَلَ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ بَنِي ظَفَرٍ . فَجَلَسَا فِيهِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ .
إسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ
فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - سَيّدُ الْأَوْسِ - لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْر ٍ اذْهَبْ إلَى هَذَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا لِيُسَفّهَا ضُعَفَاءَنَا ، فَازْجُرْهُمَا . فَإِنّ أَسَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ ابْنُ خَالَتِي ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَفَيْتُك ذَلِكَ . وَكَانَ سَعْدٌ وَأُسَيْدٌ سَيّدَيْ قَوْمِهِمَا . فَأَخَذَ أُسَيْدٌ حَرْبَتَهُ . ثُمّ أَقَبْلَ إلَيْهِمَا . فَلَمّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمَصْعَبٍ هَذَا سَيّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَك . فَاصْدُقْ اللّهَ فِيهِ . قَالَ مُصْعَبٌ إنْ يُكَلّمْنِي أُكَلّمْهُ . فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا . فَقَالَ مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا ؟ تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا ؟ اعْتَزَلَا ، إنْ كَانَ لَكُمَا فِي أَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ . فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ . فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا قَبِلْته ، وَإِنْ كَرِهْته كُفّ عَنْك مَا تَكْرَهُ . فَقَالَ أَنْصَفْت . ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ . قَالَ فَوَاَللّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَهَلّلِهِ .
ثُمّ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا وَمَا أَجْمَلَهُ كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ ؟ . <79> قَالَا لَهُ تَغْتَسِلُ وَتَطْهُرُ ثَوْبَك . ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ . ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ وَاغْتَسَلَ . وَطَهّرَ ثَوْبَهُ . وَتَشَهّدَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ . ثُمّ قَالَ إنّ وَرَائِي رَجُلًا إنْ تَبِعَكُمَا لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ . وَسَأُرْشِدُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ - سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ فِي قَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ .
فَقَالَ سَعْدٌ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَى النّادِي . قَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا فَعَلَتْ ؟ فَقَالَ كَلّمْت الرّجُلَيْنِ . فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا . وَقَدْ نَهَيْتهمَا ، فَقَالَا : نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْت .
وَقَدْ حُدّثْت : أَنّ بَنِي حَارِثَةَ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ - وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَرَفُوا أَنّهُ ابْنُ خَالَتِك - لِيَخْفِرُوك . فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا ، لِلّذِي ذُكِرَ لَهُ . فَأَخَذَ حَرْبَتَهُ فَلَمّا رَآهُمَا مُطْمَئِنّينَ عَرَفَ أَنّ أُسَيْدًا إنّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا . ثُمّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ وَاَللّهِ يَا أَبَا أُمَامَةَ . لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رَمَتْ هَذَا مِنّي ، تَغَشّانَا فِي دَارِنَا بِمَا نَكْرَهُ ؟ .
وَقَدْ كَانَ أَسْعَدُ قَالَ لِمُصْعَبٍ جَاءَك وَاَللّهِ سَيّدٌ مِنْ وَرَائِهِ قَوْمُهُ . إنْ يَتّبِعْك لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْك مِنْهُمْ أَحَدٌ .
فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَ تَقْعُدُ فَتَسْمَعُ ؟ فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا قَبِلْته ، وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا عَنْك مَا تَكْرَهُ قَالَ قَدْ أَنْصَفْت . ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ فَجَلَسَ .
فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ . قَالَ فَعَرَفْنَا وَاَللّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَهَلّلِهِ . ثُمّ قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَسْلَمْتُمْ ؟ قَالَا : تَغْتَسِلُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَك ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ . ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ . ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ . فَأَقْبَلَ إلَى نَادِي قَوْمِهِ . فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا : نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ رَجَعَ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ أَمْرَى فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيّدُنَا . وَابْنُ سَيّدِنَا ، وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا ، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً . قَالَ فَإِنّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى تُؤْمِنُوا بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ . فَمَا أَمْسَى فِيهِمْ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا أَسْلَمُوا ، إلّا الْأُصَيْرِمَ . فَإِنّهُ تَأَخّرَ إسْلَامُهُ إلَى يَوْمِ أُحُدٍ .
<80> فَأَسْلَمَ وَقَاتَلَ وَقُتِلَ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلّهِ سَجْدَةً . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا ( )
فَأَقَامَ مُصْعَبٌ فِي مَنْزِلِ أَسْعَدَ يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ إلّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ .
وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانَ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْأَسْلَتِ الشّاعِرُ . وَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ حَتّى كَانَ عَامَ الْخَنْدَقِ ، بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَلَمّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ . وَجَاءَ مَوْسِمُ الْحَجّ . قَالَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ : حَتّى مَتَى نَتْرُكُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطْرُدُ فِي جِبَالِ مَكّةَ وَيَخَافُ ؟ فَخَرَجُوا مَعَ مُشْرِكِي قَوْمِهِمْ حُجّاجًا .
بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ
فَلَمّا وَصَلُوا وَاعَدُوهُ الْعَقَبَةَ ، مِنْ أَوَاسِطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ لِلْبَيْعَةِ بَعْدَ مَا انْقَضَى حَجّهُمْ . فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ مَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الّذِينَ جَاءُوك ؟ إنّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ . فَلَمّا كَانَ اللّيْلُ تَسَلّلُوا مِنْ رِحَالِهِمْ مُخْتَفِينَ وَمَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ - أَبُو جَابِرٍ - وَهُوَ مُشْرِكٌ وَكَانُوا يُكَاتِمُونَهُ الْأَمْرَ . فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي وَاعَدُوا فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : يَا أَبَا جَابِرٍ ، إنّك شَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا . وَإِنّا نَرْغَبُ بِك أَنْ تَكُونَ حَطْبًا لِلنّارِ غَدًا ، قَالَ وَمَا ذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ . فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ وَكَانَ نَقِيبًا .

فَلَمّا مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجُوا لِلْمِيعَادِ حَتّى اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ وَمَعَهُ عَمّهُ الْعَبّاسُ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ - وَلَكِنّهُ أَحَبّ أَنْ يُحْضِرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقُ لَهُ .

فَلَمّا نَظَرَ الْعَبّاسُ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا نَعْرِفُهُمْ هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ . فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمّي الْجَمِيعَ الْخَزْرَجَ - إنّ مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ إلّا أَنّهُ أَبَى إلّا الِانْقِطَاعَ إلَيْكُمْ وَاللّحُوقَ بِكُمْ . فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ <81> وَافُونَ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمّنْ خَالَفَهُ فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمّلْتُمْ . وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ - بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَيْكُمْ - فَمِنْ الْآنَ فَدَعُوهُ . فَإِنّهُ فِي عِزّ وَمَنَعَةٍ .

قَالُوا : قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت . فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللّهِ وَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا شِئْت .

فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي - إذَا قَدِمْت عَلَيْكُمْ - مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ . وَلَكُمْ الْجَنّةُ ( )

فَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَايَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ . فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَنَمْنَعَنّكَ مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا . فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ . فَنَحْنُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا صَاغِرًا عَنْ كَابِرٍ . فَاعْتَرَضَهُ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَقَالَ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النّاسِ حِبَالًا وَنَحْنُ قَاطِعُوهَا ، فَهَلْ عَسَيْت - إنْ أَظْهَرَك اللّهُ - أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا ؟ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ لَا وَاَللّهِ بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ ، أَنْتُمْ مِنّي وَأَنَا مِنْكُمْ . أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ . وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ

فَلَمّا قَدِمُوا يُبَايِعُونَهُ أَخَذَ بِيَدِهِ أَصْغَرَهُمْ - أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ - فَقَالَ رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، إنّا لَمْ نَضْرِبْ إلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إلّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَإِنّ إخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةٌ لِلْعَرَبِ كَافّةً وَقُتِلَ خِيَارُكُمْ وَأَنْ تَعَضّكُمْ السّيُوفُ . فَإِمّا أَنْتُمْ تَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ . فَخُذُوهُ وَأَجْرَكُمْ عَلَى اللّهِ وَإِمّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ . فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ . فَقَالُوا : أَمِطْ عَنّا يَدَك ، فَوَاَللّهِ مَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا .

فَقَامُوا إلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيُعْطِيهِمْ بِذَلِكَ الْجَنّةَ ثُمّ كَثُرَ اللّغَطُ فَقَالَ الْعَبّاسُ عَلَى رِسْلِكُمْ . فَإِنّ عَلَيْنَا عُيُونًا .

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ كَكِفَالَةِ الْحَوَارِيّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي "وَفِي رِوَايَةِ " أَنّ مُوسَى اتّخَذَ مِنْ قَوْمِهِ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا

فَكَانَ نَقِيبُ بَنِي النّجّارِ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ . وَنَقِيبُ بَنِي سَلِمَةَ : الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ . وَنَقِيبُ بَنِي سَاعِدَةَ : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، <82> وَالْمُنْذِر بْنُ عَمْرٍو . وَنَقِيبُ بَنِي زُرَيْقٍ : رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَجْلَانَ . وَنَقِيبُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ وَنَقِيبُ الْقَوَافِلِ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ . وَنَقِيبُ الْأَوْسِ : أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ . وَنَقِيبُ بَنِي عَوْفٍ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ .

وَكَانَ جَمِيعُ أَهْلِ الْعَقَبَةِ : سَبْعِينَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ .

فَلَمّا بَايَعُوهُ صَرَخَ الشّيْطَانُ بِأَنْفَذَ صَوْتٍ سُمِعَ قَطّ : يَا أَهْلَ الْأَخَاشِبِ ، هَلْ لَكُمْ فِي مُحَمّدٍ وَالصّبَأَةِ مَعَهُ ؟ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا أَزَبّ الْعَقَبَةِ ، أَمَا وَاَللّهِ يَا عَدُوّ اللّهِ لَأَفْرُغَن لَك " تَمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اُرْفُضُوا إلَى رِحَالِكُمْ

فَقَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ : وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنْ شِئْت لَنَمِيلَنّ عَلَى أَهْلِ مَكّة غَدًا بِأَسْيَافِنَا . فَقَالَ " لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ " فَرَجَعُوا

فَلَمّا أَصْبَحُوا غَدَتْ عَلَيْهِمْ جَلّةُ قُرَيْشٍ . فَقَالُوا : إنّهُ بَلَغَنَا أَنّكُمْ جِئْتُمْ صَاحِبَنَا الْبَارِحَةَ تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا . وَإِنّ اللّهَ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا مِنْ أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ . فَانْبَعَثَ رِجَالٌ - مِمّنْ لَمْ يَعْلَمْ - يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاَللّهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَاَلّذِينَ يَشْهَدُونَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ . وَجَعَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ . مَا كَانَ هَذَا . وَمَا كَانَ قَوْمِي لِيَفْتَاتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا . لَوْ كُنْت بِيَثْرِبَ مَا صَنَعَ قَوْمِي هَذَا . حَتّى يُؤَامِرُونِي .

فَقَامَ الْقَوْمُ - وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ - وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ . فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : كَلِمَةً - كَأَنّهُ يُرِيدُ أَنْ يُشْرِكَ الْقَوْمَ فِيمَا قَالُوا - فَقَالَ يَا آبَا جَابِرٍ مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتّخِذَ - وَأَنْتَ سَيّدٌ مِنْ سَادَتِنَا - مِثْلُ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى ؟ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ . فَجَعَلَهَا مِنْ رِجْلَيْهِ . ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيْهِ . وَقَالَ وَاَللّهِ لَتَنْتَعِلَنهُمَا . فَقَالَ أَبُو جَابِرٍ مَهْ ؟ أَحَفِظْت الْفَتَى . فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ ؟ فَقَالَ لَا أَرُدّهُمَا إلَيْهِ وَاَللّهِ فَأْلٌ صَالِحٌ . لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنهُ .

فَلَمّا انْفَصَلَتْ الْأَنْصَارُ عَنْ مَكّةَ : صَحّ الْخَبَرُ عِنْدَ قُرَيْشٍ . فَخَرَجُوا فِي <83> طَلَبِهِمْ فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو . فَأَعْجَزَهُمْ الْمُنْذِرُ وَمَضَى . وَأَمّا سَعْدٌ فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعَةِ رَحْلِهِ . وَجَعَلُوا يَسْحَبُونَهُ بِشَعْرِهِ وَيَضْرِبُوهُ - وَكَانَ ذَا جُمّةٍ - حَتّى أَدْخَلُوهُ مَكّةَ ، فَجَاءَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ وَالْحَارِثُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ . فَخَلّصَاهُ مِنْ أَيْدِيهمْ .

وَتَشَاوَرَتْ الْأَنْصَارُ أَنْ يَكْرُوَا إلَيْهِ . فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ . فَرَحَلُوا إلَى الْمَدِينَةِ .

وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ وَقَالَ

تَدَارَكْت سَعْدًا عَنْوَةً فَأَسَرْته

وَكَانَ شِفَائِي ، لَوْ تَدَارَكْت مُنْذِرَا

وَلَوْ نِلْته طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحَةٌ

أَحَقّ دِمَاءً أَنْ تُهَانَ وَتُهْدَرَا


فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ

فَخَرّتْ بِسَعْدِ الْخَيْرِ حِينَ أَسَرْته

وَقُلْت : شِفَائِي لَوْ تَدَارَكْت مُنْذِرَا

وَإِنْ امْرَأً يَهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا

كَمُسْتَبْضَعٍ تَمْرًا إلَى أَهْلِ خَيْبَرَا

فَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا

بِحَفْرِ ذِرَاعَيْهَا . فَلَمْ تَرْضَ مِحْفَرَا

وَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ

بِقَرْيَةِ كِسْرَى ، أَوْ بَقَرِيّةِ قَيْصَرَا

وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى ، وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ

عَنْ الثّكْلِ . لَوْ أَنّ الْفُؤَادَ تَفَكّرَا

وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي ، وَأَقْبَلَ نَحْرَهُ

وَلَمْ يَخْشَهُ سَهْمٌ مِنْ النّبْلِ مُضْمَرَا

أَتَفْخَرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْته

وَقَدْ يُلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا

فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدُ

عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ يَهْوِينَ حُسّرَا


وَسَمِعَتْ قُرَيْشٌ قَائِلًا يَقُولُ بِاللّيْلِ عَلَى أَبَى قُبَيْسٍ

فَإِنْ يَسْلَمْ السّعْدَانُ يُصْبِحْ مُحَمّدٌ

بِمَكّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمَخَالِفِ


قَالُوا : مَنْ هُمَا ؟ قَالَ أَبِهِ سُفْيَانَ أَسْعَدُ بْنُ بَكْرٍ أَمْ سَعْدُ بْنُ هُزَيْمٍ ؟ فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الْقَابِلَةُ سَمِعُوهُ <84> يَقُولُ

فَيَا سَعْدُ - سَعْدَ الْأَوْسِ - كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا

وَيَا سَعْدُ - سَعْدَ الْخَزْرَجَيْنِ - الْغَطَارِفِ

أَجِيبَا إلَى دَاعِي الْهُدَى . وَتَمَنّيَا

عَلَى اللّهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مِنّةَ عَارِفِ

فَإِنّ ثَوَابَ اللّهِ لِلطّالِبِ الْهُدَى

جِنَانٌ مِنْ الْفِرْدَوْسِ ذَاتِ رَفَارِفِ


فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ هَذَا وَاَللّهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ .
الْهِجْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ
وَأَذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ . فَبَادَرُوا إلَيْهَا . وَأَوّلُ مَنْ خَرَجَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ ، وَزَوْجَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ . وَلَكِنّهَا حُبِسَتْ عَنْهُ سَنَةً وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا . ثُمّ خَرَجَتْ بَعْدُ هِيَ وَوَلَدُهَا إلَى الْمَدِينَةِ .

ثُمّ خَرَجُوا أَرْسَالًا ، يَتّبِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بِمَكّةَ أَحَدٌ إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيّ - أَقَامَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمَا - وَإِلّا مَنْ احْتَبَسَهُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا .

وَأَعَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَهَازَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ . وَأَعَدّ أَبُو بَكْرٍ جَهَازَهُ .
تَآمُرُ قُرَيْشٍ بِدَارِ النّدْوَةِ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللّهِ
فَلَمّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَجَهّزُوا وَخَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ : عَرَفُوا أَنّ الدّارَ دَارُ مَنَعَةٍ وَأَنّ الْقَوْمَ أَهْلُ حَلْقَةٍ وَبَأْسٍ فَخَافُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَيَشْتَدّ أَمْرُهُ عَلَيْهِمْ . فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النّدْوَةِ . وَحَضَرَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ .
فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ كُلّ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ وَالشّيْخُ يَرُدّهُ وَلَا يَرْضَاهُ إلَى أَنْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ قَدْ فُرِقَ لِي فِيهِ بِرَأْيٍ مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ قَالُوا : مَا هُوَ ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا جَلْدًا . ثُمّ نُعْطِيهِ سَيْفًا صَارِمًا ، ثُمّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَتَفَرّقُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ . فَلَا تَدْرِي بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَصْنَعُ وَلَا يُمْكِنُهَا مُعَادَاةُ الْقَبَائِلِ كُلّهَا ، وَنَسُوقُ دِيَتَهُ .
فَقَالَ الشّيْخُ لِلّهِ دَرّ هَذَا الْفَتَى . هَذَا وَاَللّهِ الرّأْيُ . فَتَفَرّقُوا عَلَى ذَلِكَ .
فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ . وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ .
<85> وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ نِصْفَ النّهَارِ - فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ فِيهَا - مُتَقَنّعًا ، فَقَالَ " أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَك " فَقَالَ إنّمَا هُمْ أَهْلُك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ " نَعَمْ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي - إحْدَى رَاحِلَتَيّ هَاتَيْنِ فَقَالَ " بِالثّمَنِ
وَأَمَرَ عَلِيّا أَنْ يَبِيتَ تِلْكَ اللّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِهِ .
وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ النّفَرُ يَتَطَلّعُونَ مَنْ صَيّرَ الْبَابَ وَيَرْصُدُونَهُ يُرِيدُونَ بَيَاتَهُ وَيَأْتَمِرُونَ أَيّهُمْ يَكُونُ أَشْقَاهَا ؟ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ . فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْبَطْحَاءِ فَذَرّهَا عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو ( 36 : 9 ) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَأَنْزَلَ اللّهُ ( 8 : 30 ) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ . فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ لَيْلًا . فَجَاءَ رَجُلٌ فَرَأَى الْقَوْمَ بِبَابِهِ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ قَالُوا : مُحَمّدًا . قَالَ خِبْتُمْ وَخَسِرْتُمْ قَدْ وَاَللّهِ مَرّ بِكُمْ وَذَرّ عَلَى رُءُوسِكُمْ التّرَابَ . قَالُوا : وَاَللّهِ مَا أَبْصَرْنَاهُ وَقَامُوا يَنْفُضُونَ التّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ .
فَلَمّا أَصْبَحُوا : قَامَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَسَأَلُوهُ عَنْ مُحَمّدٍ ؟ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ ( ) . وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى غَارِ ثَوْرٍ ، فَنَسَجَتْ الْعَنْكَبُوتُ عَلَى بَابِهِ ( ) .
وَكَانَا قَدْ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ اللّيْثِيّ وَكَانَ هَادِيًا مَاهِرًا - وَكَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ - وَأَمّنَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَسَلّمَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ ( ) .
وَجَدّتْ قُرَيْشٌ فِي طَلَبِهِمَا ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ الْقَافَةَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَابِ الْغَارِ . فَوَقَفُوا عَلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا . فَقَالَ " مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ لَا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنَا ( )
<86> وَكَانَا يَسْمَعَانِ كَلَامَهُمْ إلّا أَنّ اللّهَ عَمَى عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمَا .
وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَرْعَى غَنَمًا لِأَبِي بَكْرٍ وَيَتَسَمّعُ مَا يُقَالُ عَنْهُمَا بِمَكّةَ . ثُمّ يَأْتِيهِمَا بِالْخَبَرِ لَيْلًا . فَإِذَا كَانَ السّحَرُ سَرَحَ مَعَ النّاسِ ( ) .
قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهّزْنَاهُمَا أَحَثّ الْجَهَازِ . وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ . فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ . قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا ، فَأَوْكَتْ بِهِ فَمَ الْجِرَابِ وَقَطَعَتْ الْأُخْرَى عِصَامًا لِلْقِرْبَةِ . فَبِذَلِكَ لُقّبَتْ " ذَاتَ النّطَاقَيْنِ " .
وَمَكَثَا فِي الْغَارِ ثَلَاثًا . حَتّى خَمَدَتْ نَارُ الطّلَبِ . فَجَاءَهُمَا ابْنُ أُرَيْقِطٍ بِالرّاحِلَتَيْنِ فَارْتَحَلَا ، . وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ .
قِصّةُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ
فَلَمّا آيَسَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمَا جَعَلُوا لِمَنْ جَاءَ فِيهَا دِيَةَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، لِمَنْ يَأْتِي بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا . فَجَدّ النّاسُ فِي الطّلَبِ . وَاَللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ .

فَلَمّا مَرّوا بِحَيّ مِنْ مُدْلِجٍ مُصْعِدِينَ مِنْ قُدَيْدٍ . بَصُرَ بِهِمْ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى الْحَيّ . فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْت آنِفًا بِالسّاحِلِ أَسْوِدَةً مَا أَرَاهَا إلّا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ .

فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ ، فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الظّفَرُ لَهُ . وَشَدّ سَبَقَ لَهُ مِنْ الظّفَرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ . فَقَالَ بَلْ هُمَا فُلَانٌ وَفُلَانُ خَرَجَا فِي طَلَبِ حَاجَةٍ لَهُمَا . ثُمّ مَكَثَ قَلِيلًا . ثُمّ قَامَ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ وَقَالَ لِجَارِيَتِهِ اُخْرُجِي بِالْفَرَسِ مِنْ وَرَاءِ الْخِبَاءِ وَمَوْعِدُك وَرَاءَ الْأَكَمَةِ . ثُمّ أَخَذَ رُمْحَهُ وَخَفّضَ عَالِيَهُ يَخُطّ بِهِ الْأَرْضَ حَتّى رَكِبَ فَرَسَهُ . فَلَمّا قَرُبَ مِنْهُمْ وَسَمِعَ قِرَاءَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَلْتَفِتُ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ رَهِقَنَا . فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ .

فَقَالَ قَدْ عَلِمْت أَنّ الّذِي أَصَابَنِي بِدُعَائِكُمَا . فَادْعُوا اللّهَ لِي ، وَلَكُمَا أَنْ أَرُدّ النّاسَ عَنْكُمَا ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَلَصَتْ يَدَا فَرَسِهِ . فَانْطَلَقَ . وَسَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا ، فَكَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَمْرِهِ فِي أَدِيمٍ . وَكَانَ الْكِتَابُ مَعَهُ إلَى يَوْمِ فَتْحِ مَكّةَ . فَجَاءَ بِهِ فَوَفَى لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( ) .
فَرَجَعَ . فَوَجَدَ النّاسَ فِي الطّلَبِ فَجَعَلَ يَقُولُ قَدْ اسْتَبْرَأْت لَكُمْ الْخَبَرَ ، وَقَدْ <87> كَفَيْتُمْ مَا هَهُنَا . فَكَانَ أَوّلُ النّهَارِ جَاهِدًا عَلَيْهِمَا . وَكَانَ آخِرُهُ حَارِسًا لَهُمَا .
قِصّةُ أُمّ مَعْبَدٍ ( )
ثُمّ مَرّوا بِخَيْمَةِ أُمّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّةِ ، وَكَانَتْ امْرَأَةُ بَرْزَةَ جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ ثُمّ تُطْعِمُ وَتَسْقِي مَنْ مَرّ بِهَا ، يَسْأَلَاهَا : هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ يَشْتَرُونَهُ ؟ فَقَالَتْ وَاَللّهِ لَوْ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمْ الْقِرَى . وَالشّاءُ عَازِبٌ - وَكَانَتْ سَنَةً شَهْبَاءَ - فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ فَقَالَ " مَا هَذِهِ الشّاةُ ؟ " قَالَتْ خَلّفَهَا الْجَهْدُ عَنْ الْغَنَمِ . فَقَالَ " هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ ؟ " قَالَتْ هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ " أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا ؟ " قَالَتْ نَعَمْ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي - إنْ رَأَيْت بِهَا حَلِيبًا فَاحْلُبْهَا .

فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا ، وَسَمّى اللّهَ وَدَعَا ، فَتَفَاجّتْ عَلَيْهِ وَدَرّتْ . فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يَرْبِضُ الرّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ حَتّى عَلَتْهُ الرّغْوَةُ فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتّى رَوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتّى رَوَوْا . ثُمّ شَرِبَ هُوَ . وَحَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا فَمَلَأَ الْإِنَاءَ . ثُمّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَارْتَحَلُوا .

فَقَلّ مَا لَبِثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا . فَلَمّا رَأَى اللّبَنَ قَالَ مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ وَالشّاءُ عَازِبٌ . وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ .

قَالَتْ لَا وَاَللّهِ إلّا أَنّهُ مَرّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ وَمِنْ حَدِيثِهِ كَيْت وَكَيْت قَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الّذِي تَطْلُبُهُ . صِفِيهِ لِي يَا أُمّ مَعْبَدٍ .

قَالَتْ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجُ الْوَجْهِ حَسَنُ الْخُلُقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةً وَلَمْ تَزِرْ بِهِ صَعْلَةً وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ وَفِي صُورَتِهِ صَحَلٌ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ . وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجّ أَقْرَنُ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ إذَا صَمَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ وَإِذَا تَكَلّمَ عَلَاهُ الْبَهَاءُ أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ . حُلْوُ الْمَنْطِقِ . لَا نَذْرٌ وَلَا هَذْرٌ كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتّحِدُونَ رَبْعَةٌ لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ وَلَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ . غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثّلَاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا . لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ . إذَا قَالَ <88> اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ . وَاذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ . لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ .

قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ هَذَا - وَاَللّهِ صَاحِبُ - قُرَيْشٍ الّذِي تَطْلُبُهُ . وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَصْحَبَهُ وَلَأَفْعَلَن ، إنْ وَجَدْت إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا . وَأَصْبَحَ صَوْتٌ عَالٍ بِمَكّةَ يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ الْقَائِلَ يَقُولُ

جَزَى اللّهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ

رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ

هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ وَارْتَحَلَا بِهِ

فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدِ

فَيَا لَقُصَيّ مَا زَوَى اللّهُ عَنْكُمُو

بِهِ مِنْ فَخَارٍ . لَا يُحَاذَى وَسُؤْدُدِ

وَقَدْ غَادَرْت وَهْنًا لَدَيْهَا بِحَالِبٍ

يَرُدّ بِهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمّ مَوْرِدِ

سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا

فَإِنّكُمُوا إنْ تَسْأَلُوا الشّاةَ تَشْهَدْ

دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلّبَتْ

لَهُ بِصَرِيحِ ضَرّةِ الشّاةِ مَزِيدِ

لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيّهُمْ

وَقُدّسَ مَنْ يَسْرِي إلَيْهِ وَيَغْتَدِي

تَرَحّلَ عَنْ قَوْمٍ . فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ

وَحَلّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدّدِ

هَدَاهُمْ بِهِ - بَعْدَ الضّلَالَةِ - رَبّهُمْ

وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتّبِعُ الْحَقّ يُرْشَدْ

وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ

رِكَابُ هُدًى ، حَلّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ

نَبِيّ يَرَى مَا لَا يَرَى النّاسُ حَوْلَهُ

وَيَتْلُو كِتَابَ اللّهِ فِي كُلّ مَشْهَدِ

وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ

فَتَصْدِيقُهَا فِي ضَحْوَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ

لِيَهْنَ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدّهِ

بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدْ اللّهُ يَسْعَدْ

وَيَهْنَ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ

وَيُقْعِدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ


قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ . مَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ لَا نَدْرِي : أَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ يَتَغَنّى بِأَبْيَاتِ غِنَاءِ الْعَرَبِ ، وَالنّاسُ يَتّبِعُونَهُ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ وَلَا يَرَوْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكّةَ فَعَرَفْنَا أَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

قَالَتْ وَلَمّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ مَعَهُ مَالَهُ . فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدّي أَبُو قُحَافَةَ - وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - فَقَالَ إنّي وَاَللّهِ لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ . قُلْت : كَلّا <89> وَاَللّهِ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا . وَأَخَذَتْ حِجَارَةً فَوَضَعَتْهَا فِي كُوّةِ الْبَيْتِ . وَقُلْت : ضَعْ يَدَك عَلَى الْمَالِ . فَوَضَعَهَا ، وَقَالَ لَا بَأْسَ . إنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَإِنّمَا أَرَدْت أَنْ أَسْكِتْ الشّيْخَ ( ) .
دُخُولُ رَسُولِ اللّهِ الْمَدِينَةَ
وَلَمّا بَلَغَ الْأَنْصَارُ مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ . كَانُوا يَخْرُجُونَ كُلّ يَوْمٍ إلَى الْحَرّةِ يَنْتَظِرُونَهُ . فَإِذَا اشْتَدّ حَرّ الشّمْسِ رَجَعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعَ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ نُبُوّتِهِ . فَخَرَجُوا عَلَى عَادَتِهِمْ . فَلَمّا حَمِيَتْ الشّمْسُ رَجَعُوا ، فَصَعِدَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ . فَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ مُبَيّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السّرَابَ . فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا صَاحِبُكُمْ قَدْ جَاءَ هَذَا جَدّكُمْ الّذِي تَنْتَظِرُونَهُ . فَثَارَ الْأَنْصَارُ إلَى السّلَامِ لِيَتَلَقّوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَسَمِعْت الْوَجْبَةَ وَالتّكْبِيرَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا بِقُدُومِهِ . وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ فَتَلْقَوْهُ وَحَيّوْهُ بِتَحِيّةِ النّبُوّةِ . وَأَحْدَقُوا بِهِ مَطِيفِينَ حَوْلَهُ .
فَلَمّا أَتَى الْمَدِينَةَ ، عَدَلَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتّى نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ - أَوْ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ - فَأَقَامَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً . وَأَسّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ . وَهُوَ أَوّلُ مَسْجِدٍ أُسّسَ بَعْدَ النّبُوّةِ .
فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَكِبَ . فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ . فَجَمَعَ بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي . ثُمّ رَكِبَ . فَأَخَذُوا بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ يَقُولُونَ . هَلُمّ إلَى الْقُوّةِ وَالْمَنَعَةِ وَالسّلَاحِ . فَيَقُولُ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَلَمْ تَزَلْ نَاقَتُهُ سَائِرَةً لَا يَمُرّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ ، إلّا رَغِبُوا إلَيْهِ فِي النّزُولِ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَة فَسَارَتْ حَتّى وَصَلَتْ إلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ فَبَرَكَتْ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا ، حَتّى نَهَضَتْ وَسَارَتْ قَلِيلًا . ثُمّ رَجَعَتْ وَبَرَكَتْ فِي مَوْضِعِهَا الْأَوّلِ . فَنَزَلَ عَنْهَا .
وَذَلِكَ فِي بَنِي النّجّارِ ، أَخْوَالُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( ) .
<90> وَكَانَ مِنْ تَوْفِيقِ اللّهِ لَهَا . فَإِنّهُ أَحَبّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَخْوَالِهِ يُكْرِمَهُمْ . فَجَعَلَ النّاسُ يُكَلّمُونَهُ فِي النّزُولِ عَلَيْهِمْ .
وَبَادَرَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ إلَى رَحْلِهِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ . فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِه وَجَاءَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ . فَكَانَتْ عِنْدَهُ ( ) .
وَأَصْبَحَ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ - وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ لِيَحْفَظَهَا عَنْهُ .
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حُجّةً يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى حَبِيبًا مُوَاتِيًا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ فَلَمْ يُرَ مَنْ يُؤْوَى وَلَمْ يُرَ دَاعِيًا
فَلَمّا أَتَانَا وَاسْتَقَرّ بِهِ النّوَى وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطَيْبَةٍ رَاضِيًا
وَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى ظِلَامَةَ ظَالِمٍ بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ بَاغِيًا
بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ جُلّ مَالِنَا وَأَنْفُسِنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالتّآسِيَا
نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ جَمِيعًا . وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبُ الْمُصَافِيَا
وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرَهُ وَأَنّ كِتَابَ اللّهِ أَصْبَحَ هَادِيًا
وَكَمَا قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .
قَوْمِي الّذِينَ هَمّوا آوَوْا نَبِيّهُمُو وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارٌ
إلّا خَصَائِصُ أَقْوَامٍ هُمُو تَبَعٌ فِي الصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارٌ
مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ . قَوْلُهُمُو لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارٌ
أَهْلًا وَسَهْلًا . فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ نِعْمَ النّبِيّ . وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ
فَأَنْزَلُوهُ بِدَارٍ لَا يَخَافُ بِهَا مَنْ كَانَ جَارَهُمُو . دَارٌ هِيَ الدّارُ
وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذْ قَدِمُوا مُهَاجِرِينَ . وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النّارُ
وَكَمَا قَالَ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا عَلَى أُنُفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَأُمِرَ بِالْهِجْرَةِ . وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ ( 17 : 80 ) وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْلَمُ أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إلّا بِسُلْطَانٍ . فَسَأَلَ اللّهَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ، فَأَعْطَاهُ ( ) . قَالَ الْبَرَاءُ . : أَوّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ، فَجَعَلَا يَقْرَآنِ النّاسَ الْقُرْآنَ . ثُمّ جَاءَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ ثُمّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ <91> فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا . ثُمّ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَمَا رَأَيْت النّاسَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحُهُمْ بِهِ حَتّى جَعَلَ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْإِمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( ) .
قَالَ أَنَسٌ شَهِدْته يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، فَمَا رَأَيْت يَوْمًا قَطّ كَانَ أَحْسَنَ وَلَا أَضْوَأَ مِنْ الْيَوْمِ الّذِي دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَيْنَا . وَشَهِدْته يَوْمَ مَاتَ . فَمَا رَأَيْت يَوْمًا قَطّ كَانَ أَقْبَحَ وَلَا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمِ مَاتَ ( ) .

فَأَقَامَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى حَجَرَهُ وَمَسْجِدَهُ .
وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيّوبَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ . وَأَعْطَاهُمَا بَعِيرَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى مَكّةَ ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ بِفَاطِمَةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ ابْنَتَيْهِ . وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ زَوْجِهِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَأُمّ أَيْمَنَ . وَأَمّا زَيْنَبُ فَلَمْ يُمَكّنْهَا زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِعِيَالِ أَبِي بَكْرٍ . وَفِيهِم عَائِشَةُ [ فَنَزَلُوا فِي بَيتِ حارِثَةَ بنِ النّعمانَ ] .
بِنَاءُ الْمَسْجِدِ
قَالَ الزّهْرِيّ : بَرَكَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ وَكَانَ مُرِيدًا لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، كَانَا فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ . فَسَاوَمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغُلَامَيْنِ بِالْمِرْبَدِ لِيَتّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا : بَلْ نَهَبُهُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ .
وَفِي الصّحِيحِ أَنّهُ قَالَ يَا بَنِي النّجّارِ ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ . قَالُوا : لَا ، وَاَللّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلّا إلَى اللّهِ وَكَانَ فِيهِ شَجَرٌ غَرْقَدُ وَنَخْلٌ ، وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ وَبِالنّخِيلِ وَالشّجَرِ فَقُطِعَ . وَصُفّتْ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ . وَجُعِلَ طُولُهُ مِمّا يَلِي الْقِبْلَةَ إلَى مُؤَخّرَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ . وَفِي الْجَانِبَيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ . وَأَسَاسُهُ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ . ثُمّ بَنَوْهُ بِاللّبَنِ . وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْنِي مَعَهُمْ وَيَنْقُلُ اللّبَنَ وَالْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ
اللّهُمّ إنّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ ( )
وَكَانَ يَقُولُ
هَذَا الْحَمّالُ لَا حَمّالُ خَيْبَرَ هَذَا أَبَرّ رَبّنَا وَأَطْهَرُ
<92> وَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ فِي رَجَزِهِ
وَلَئِنْ قَعَدْنَا وَالرّسُولُ يَعْمَلُ لِذَاكَ مِنّا الْعَمَلَ الْمُضَلّلَ
وَجَعَلَ قِبْلَتَهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ . وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ بَابٌ فِي مُؤَخّرَةٍ وَبَابٌ يُقَالُ لَهُ بَابُ الرّحْمَةِ . وَالْبَابُ الّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَجَعَلَ عُمُدَهُ الْجُذُوعَ . وَسُقُفَهُ الْجَرِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الخامس
» مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء السابع
» مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء التاسع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي أبناء السنابسة  :: اسلاميات :: قسم السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: