منتدي أبناء السنابسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الزائر الكريم مرحبا بك في منتدي أبناء السنابسة يسعدنا تواجدك معنا
يمكنك التسجيل في المنتدي وتاكيد التسجيل عن طريق الرسالة التي تصل للايميل الخاص بك
منتدي أبناء السنابسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الزائر الكريم مرحبا بك في منتدي أبناء السنابسة يسعدنا تواجدك معنا
يمكنك التسجيل في المنتدي وتاكيد التسجيل عن طريق الرسالة التي تصل للايميل الخاص بك
منتدي أبناء السنابسة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


[[[ فكر متجدد *** ونقاش بنـّاء *** وعطاء بلا حدود ]]]
 
الرئيسيةشات منتدي أبناءأحدث الصورالتسجيلدخول
قوانين المنتدي ............... بسم الله الرحمن الرحيم السادة الاعزاء اعضاء وزوار المنتدي المنتدي هو منتدي الجميع وليس منتدي احد بعينه فساهموا معنا للنهوض به وجعله علي المستوي الذي يليق بنا ................. السادة الاعضاء الرجاء عند التسجيل عدم التسجيل باسماء رمزية والتسجيل بألاسماء الحقيقية حتي نتمكن من معرفة من هو متصل معنا ................... اسادة الاعضاء والزوار اي وجهة نظر علي المنتدي تعبر عن وجهة نظر صاحبها وإدارة المنتدي غير مسؤولة عن وجهات نظر اعضاء المنتدي ...............السادة الاعضاء برجاء عند المشاركة في المنتدي عدم التجريح في احد وعدم التشهير بأحد ................. أي موضوع يخالف هذه القوانين سيتم حذفه من قبل الادارة دون الرجوع الي صاحب الموضوع .................. وتقبلوا تحيات ادارة المنتدي وأتمني لكم مشاركات سعيدة
 
أذكر الله
الساعة الان
الساعة الان

بتوقيت السنابسة - جميع الحقوق محفوطة منتدي ابناء السنابسة2010

مواضيع مماثلة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 281 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Hany el asshry فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 5853 مساهمة في هذا المنتدى في 1156 موضوع
زوار المنتدي
free counters

 

 مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الثانى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عمرو عبدالرازق
مشرف عام
مشرف عام
عمرو عبدالرازق


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1252
المجهود والاسهام في المنتدي : 1633
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
العمر : 41
علم الدولة : مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الثانى EgyptC

مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الثانى Empty
مُساهمةموضوع: مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الثانى   مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الثانى Emptyالسبت أبريل 24, 2010 1:16 am

الجزء الثانى من مختصر سيره الرسول صلى الله عليه وسلم


شَكَرَ الضّحِيّةَ كُلّ صَاحِبِ سُنّةٍ

لِلّهِ دَرّك مِنْ أَخِي قُرْبَانِ
فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَشْهَرِ النّاسِ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ الصّحَابَةِ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْسَانِ قَتْلِهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ اعْتِقَادِ أَعْدَاءِ اللّهِ فِي الْبَدْوِ ؟ .
الدّلِيلُ السّادِسُ قِصّةُ بَنِي عُبَيْدٍ الْقَدّاحِ فَإِنّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثّالِثَةِ . فَادّعَى عُبَيْدُ اللّهِ أَنّهُ مِنْ آلِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، مِنْ ذُرّيّةِ فَاطِمَةَ وَتَزَيّا بِزَيّ أَهْلِ الطّاعَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبِعَهُ أَقْوَامٌ مِنْ الْبَرْبَرِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ . وَصَارَ لَهُ دَوْلَةٌ كَبِيرَةٌ فِي الْمَغْرِبِ وَلِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ . ثُمّ مَلَكُوا مِصْرَ وَالشّامَ ، وَأَظْهَرُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ و أَقَامُوا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَنَصَبُوا الْقُضَاةَ وَالْمُفْتِينَ . لَكِنْ أَظْهَرُوا الشّرْكَ وَمُخَالَفَةَ الشّرِيعَةِ وَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى نِفَاقِهِمْ وَشِدّةِ كُفْرِهِمْ . فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنّهُمْ كُفّارٌ وَأَنّ دَارَهُمْ دَارُ حَرْبٍ مَعَ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ .
وَفِي مِصْرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ أُنَاسٌ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ مِصْرَ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِيمَا - 30ْ - أَحْدَثُوا مِنْ الْكُفْرِ . وَمَعَ ذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ حَتّى إنّ بَعْضَ أَكَابِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ بِالصّلَاحِ قَالَ لَوْ أَنّ مَعِي عَشَرَةَ أَسْهُمٍ لَرَمَيْت بِوَاحِدٍ مِنْهَا النّصَارَى الْمُحَارَبِينَ . وَرَمَيْت بِالتّسْعَةِ بَنِي عُبَيْدٍ .
وَلَمّا كَانَ زَمَانُ السّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ زِنْكِي أَرْسَلَ إلَيْهِمْ جَيْشًا عَظِيمًا بِقِيَادَةِ صَلَاحِ الدّينِ . فَأَخَذُوا مِصْرَ مِنْ أَيْدِيهِمْ . وَلَمْ يَتْرُكُوا جِهَادَهُمْ بِمِصْرِ لِأَجْلِ مَنْ فِيهَا مِنْ الصّالِحِينَ .
فَلَمّا فَتَحَهَا السّلْطَانُ مَحْمُودٌ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ أَشَدّ الْفَرَحِ . وَصَنّفَ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمّاهُ " النّصْرُ عَلَى مِصْرَ " .
وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ التّصْنِيفِ وَالْكَلَامِ فِي كُفْرِهِمْ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إظْهَارِهِمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ الظّاهِرَةِ .
فَانْظُرْ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ دِينِنَا : أَنّ الْبَدْوَ إسْلَامٌ مَعَ مَعْرِفَتِنَا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ كُلّهِ إلّا قَوْلَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَلَا تَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَكْفُرُ إلّا إنْ انْتَقَلَ يَهُودِيّا أَوْ نَصْرَانِيّا .
فَإِنْ آمَنْت بِمَا ذَكَرَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَبِمَا أَجَمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَتَبَرّأْت مِنْ دِينِ آبَائِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقُلْت : آمَنْت بِاَللّهِ وَبِمَا أَنَزَلَ اللّهُ وَتَبَرّأْت مِمّنْ خَالَفَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، مُخْلِصًا لِلّهِ الدّينَ فِي ذَلِكَ . وَعَلِمَ اللّهُ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِك ، فَأَبْشِرْ . وَلَكِنْ اسْأَلْ اللّهَ التّثْبِيتَ . وَاعْرِفْ أَنّهُ مُقَلّبُ الْقُلُوبِ .
الدّلِيلُ السّابِعُ قِصّةُ التّتَارِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ بَعْدَ مَا فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ مَا فَعَلُوا ، وَسَكَنُوا بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَعَرَفُوا دِينَ الْإِسْلَامِ اسْتَحْسَنُوهُ وَأَسْلَمُوا . لَكِنْ لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ شَرَائِعِهِ . وَأَظْهَرُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى الشّرِيعَةِ لَكِنّهُمْ كَانُوا يَتَلَفّظُونَ بِالشّهَادَتَيْنِ وَيُصَلّونَ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَلَيْسُوا كَالْبَدْوِ وَمَعَ هَذَا كَفّرَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَقَاتَلُوهُمْ وَغَزَوْهُمْ . حَتّى أَزَالَهُمْ اللّهُ عَنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ . <31> وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللّهُ .
وَأَمّا مَنْ أَرَادَ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَوْ تَنَاطَحَتْ الْجِبَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ . وَلَوْ ذَكَرْنَا مَا جَرَى مِنْ السّلَاطِينِ وَالْقُضَاةِ مِنْ قَتْلِ مَنْ أَتَى بِأُمُورٍ يَكْفُرُ بِهَا - وَلَوْ كَانَ يُظْهِرُ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ - وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيّنَةُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْقَتْلِ مَعَ أَنّ فِي هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِينَ مَنْ كَانَ مِنْ أَعْلَمْ النّاسِ وَأَزْهَدِهِمْ وَأَعْبَدِهِمْ فِي الظّاهِرِ مِثْلُ الْحَلّاجِ وَأَمْثَالِهِ وَمَنْ هُوَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنّفِينَ كَالْفَقِيهِ عُمَارَةَ .
فَلَوْ ذَكَرْنَا قَصَصَ هَؤُلَاءِ لَاحْتَمَلَ مُجَلّدَاتٍ . وَلَا نَعْرِفُ فِيهِمْ رَجُلًا وَاحِدًا بَلَغَ كُفْرُهُ كُفْرَ الْبَدْوِ الّذِينَ يَقُولُ عَنْهُمْ - مَنْ يَزْعُمُ إسْلَامَهُمْ - إنّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ إلّا قَوْلُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَلَكِنْ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُرْشِدًا .
وَالْعَجَبُ أَنّ الْكُتُبَ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ وَاَلّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ يَعْرِفُونَهَا وَيَعْلَمُونَ بِهَا : فِيهَا مَسَائِلُ الرّدّةِ .
وَتَمَامُ الْعَجَبِ أَنّهُمْ يَعْرِفُونَ بَعْضَ ذَلِكَ وَيُقِرّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ كَفَرَ . وَمَنْ شَكّ فِيهِ كَفَرَ . وَمَنْ سَبّ الشّرْعَ كَفَرَ . وَمَنْ أَنْكَرَ فَرْعًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَفَرَ . كُلّ هَذَا يَقُولُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ .
فَإِذَا كَانَ مَنْ أَنْكَرَ الْأَكْلَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْكَرَ النّهْيَ عَنْ إسْبَالِ الثّيَابِ أَوْ أَنْكَرَ سُنّةَ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَيُصَرّحُونَ أَنّ مَنْ أَنْكَرَ الْإِسْلَامَ كُلّهُ وَكَذّبَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِمَنْ صَدّقَهُ فَهُوَ أَخُوك الْمُسْلِمُ حَرَامُ الدّمِ وَالْمَالِ مَا دَامَ يَقُولُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " ثُمّ يُكَفّرُونَنَا ، وَيَسْتَحِلّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا ، مَعَ أَنّا نَقُولُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : مَنْ كَفّرَ مُسْلِمًا فَقَدْ كَفَرَ .
تَمّ لَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتّى أَفْتَوْا لِمَنْ عَاهَدَنَا بِعَهْدِ اللّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْعَهْدَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ عَظِيمٌ وَيُفْتُونَ مَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ لَنَا ، أَوْ مَالُ يَتِيمٍ أَنّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ أَمَانَتِنَا . وَلَوْ كَانَتْ مَالَ يَتِيمٍ بِضَاعَةً عِنْدَهُ أَوْ وَدِيعَةً بَلْ يُرْسِلُونَ الرّسَائِلَ لِدَهّامِ بْنِ دَوّاسٍ وَأَمْثَالِهِ إذَا حَارَبُوا التّوْحِيدَ وَنَصَرُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ يَقُولُونَ أَنْتَ يَا فُلَانُ قُمْت مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ . مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنّ التّوْحِيدَ - الّذِي نَدْعُو إلَيْهِ - 32 - وَكَفَرُوا بِهِ وَصُدّوا النّاسَ عَنْهُ - هُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ وَأَنّ الشّرْكَ - الّذِي نَهَيْنَا النّاسَ عَنْهُ وَرَغّبُوهُمْ هُمْ فِيهِ وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ عَلَى آلِهَتِهِمْ - أَنّهُ الشّرْكُ الّذِي نَهَى عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ . وَلَكِنْ هَذِهِ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ اللّهِ فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْهَا فَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ . وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
نَسَبُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
<33> مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْر بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِذَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ . إلَى هُنَا مَعْلُومُ الصّحّةِ . وَمَا فَوْقَ عَدْنَانَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ أَنّ عَدْنَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الذّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصّوَابِ . وَالْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ بَاطِلٌ .
وَلَا خِلَافَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُلِدَ بِمَكّةَ عَامَ الْفِيلِ . وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدّمَهَا اللّهُ لِنَبِيّهِ وَبَيْتِهِ وَإِلّا فَأَهْلُ الْفِيلِ نَصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ دِينُهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكّةَ . لِأَنّهُمْ عُبّادُ أَوْثَانٍ . فَنَصَرَهُمْ اللّهُ نَصْرًا لَا صُنْعَ لِلْبَشَرِ فِيهِ تَقْدِمَةً لِلنّبِيّ الّذِي أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكّةَ . وَتَعْظِيمًا لِلْبَلَدِ الْحَرَامِ .
قِصّةُ الْفِيلِ
وَكَانَ سَبَبُ قِصّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ - عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ - أَنّ أَبْرَهَةَ بْنَ الصّبّاحِ كَانَ عَامِلًا لِلنّجَاشِيّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ عَلَى الْيَمَنِ فَرَأَى النّاسَ يَتَجَهّزُونَ أَيّامَ الْمَوْسِمِ إلَى مَكّةَ - شَرّفَهَا اللّهُ - فَبَنَى كَنِيسَةً بِصَنْعَاءَ . وَكَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ " إنّي بَنَيْت لَك كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا ، وَلَسْت مُنْتَهِيًا حَتّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ " فَسَمِعَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ فَدَخَلَهَا لَيْلًا . فَلَطّخَ قِبْلَتَهَا بِالْعَذِرَةِ . فَقَالَ أَبْرَهَةُ مَنْ الّذِي اجْتَرَأَ عَلَى هَذَا ؟ قِيلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَمِعَ بِاَلّذِي قُلْت . فَحَلَفَ أَبْرَهَةُ لَيَسِيرَن إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى يَهْدِمَهَا . وَكَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَث إلَيْهِ بِفِيلِهِ . وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوّةً . فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ . فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ سَائِرًا إلَى مَكّةَ . فَسَمِعَتْ الْعَرَبُ <34> بِذَلِكَ فَأَعْظَمُوهُ وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقّا عَلَيْهِمْ .
فَخَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ ذُو نَفَرٍ . فَقَاتَلَهُ . فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ وَأَخَذَهُ أَسِيرًا ، فَقَالَ أَيّهَا الْمَلِكُ فَاسْتَبْقِنِي خَيْرًا لَك ، فَاسْتَبَقَاهُ وَأَوْثَقَهُ .
وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا . فَسَارَ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ بِلَادِ خَثْعَمَ خَرَجَ إلَيْهِ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيّ ، وَمَنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمَهُمْ أَبْرَهَةُ . فَأَخَذَ نُفَيْلًا ، فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّنِي دَلِيلُك بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ عَلَى قَوْمِي بِالسّمْعِ وَالطّاعَةِ . فَاسْتَبْقِنِي خَيْرًا لَك . فَاسْتَبَقَاهُ . وَخَرَجَ مَعَهُ يَدُلّهُ عَلَى الطّرِيقِ .
فَلَمّا مَرّ بِالطّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتّبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ . فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُك . وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَك مَنْ يَدُلّك . فَبَعَثُوا مَعَهُ بِأَبِي رَغَالٍ مَوْلًى لَهُمْ . فَخَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْمُغَمّسِ مَاتَ أَبُو رَغَالٍ ، وَهُوَ الّذِي يُرْجَمُ قَبْرُهُ . وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ - يُقَالُ لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ مَفْصُودٍ - عَلَى مُقَدّمَةِ خَيْلِهِ وَأَمَرَ بِالْغَارَةِ عَلَى نَعَمِ النّاسِ . فَجَمَعَ الْأَسْوَدُ إلَيْهِ أَمْوَالَ الْحَرَمِ . وَأَصَابَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ مِائَتَيْ بَعِيرٍ .
ثُمّ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَر إلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَقَالَ أَبْلِغْ شَرِيفَهَا أَنّنِي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ بَلْ جِئْت لِأَهْدِمَ الْبَيْتَ . فَانْطَلَقَ فَقَالَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَلِكَ .
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ : مَا لَنَا بِهِ يَدَانِ . سَنُخَلّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ . فَإِنّ هَذَا بَيْتُ اللّهِ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ . فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ . وَأَنْ يَخْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ مَا لَنَا بِهِ مِنْ قُوّةٍ .
قَالَ فَانْطَلِقْ مَعِي إلَى الْمَلِكِ - وَكَانَ ذُو نَفْرٍ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَك غَنَاءٌ فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ مَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ بُكْرَةً أَوْ عَشِيّا ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُ إلى أُنَيْسٍ سَائِسِ الْفِيلِ فَإِنّهُ لِي صَدِيقٌ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يُعَظّمَ خَطَرَك عِنْدَ الْمَلِكِ .
فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ لِأَبْرَهَةَ إنّ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك . وَقَدْ جَاءَ غَيْرُ نَاصِبٍ لَك وَلَا مُخَالِفٍ لِأَمْرِك ، وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ .
وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا وَسِيمًا . فَلَمّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ . وَكَرِهَ <35> أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ . وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ . فَهَبَطَ إلَى الْبِسَاطِ فَدَعَاهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ . فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ مِائَتَيْ الْبَعِيرِ الّتِي أَصَابَهَا مِنْ مَالِهِ .
فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إنّك كُنْت أَعْجَبْتنِي حِينَ رَأَيْتُك . وَلَقَدْ زَهِدْت فِيك . قَالَ لِمَ ؟ قَالَ جِئْت إلَى بَيْتٍ - هُوَ دِينُك وَدِينُ آبَائِك ، وَشَرَفُكُمْ وَعِصْمَتُكُمْ - لِأَهْدِمَهُ . فَلَمْ تُكَلّمْنِي فِيهِ وَتُكَلّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ ؟ قَالَ أَنَا رَبّ الْإِبِلِ . وَالْبَيْتُ لَهُ رَبّ يَمْنَعُهُ مِنْك .
فَقَالَ مَا كَانَ لِيَمْنَعَهُ مِنّي . قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدّتْ عَلَيْهِ . ثُمّ خَرَجَ وَأَخْبَرَ قُرَيْشًا الْخَبَرَ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرّقُوا فِي الشّعَابِ وَيَتَحَرّزُوا فِي رُءُوسُ الْجِبَالِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ . فَفَعَلُوا . وَأَتَى عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْبَيْتَ . فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَجَعَلَ يَقُولُ
يَا رَبّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبّ فَامْنَعْ مِنْهُمُو حِمَاكَا
إنّ عَدُوّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا فَامْنَعْهُمُو أَنْ يُخَرّبُوا قُرَاكَا
وَقَالَ أَيْضًا :
لَا هُمّ إنّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ وَحَلَالَهُ فَامْنَعْ حَلَالَك
لَا يَغْلِبَن صَلِيبَهُمْ وَمِحَالَهُمْ غُدُوّا مِحَالَك
جَرّوا جُمُوعَهُمْ وَبِلَادَهُمْ وَالْفِيلَ كَيْ يَسُبّوا عِيَالَك
إنْ كُنْت تَارِكَهُمْ وَكَعْبَ تَنَا فَأْمُرْ مَا بَدَا لَك
ثُمّ تَوَجّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ . وَأَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمّسِ قَدْ تَهَيّأَ لِلدّخُولِ . وَعَبّأَ جَيْشَهُ . وَهَيّأَ فِيهِ . فَأَقْبَلَ نُفَيْلٌ إلَى الْفِيلِ . فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ . فَقَالَ اُبْرُكْ مَحْمُودُ . فَإِنّك فِي بَلَدِ اللّهِ الْحَرَامِ . فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى . فَوَجّهُوهُ إلَى الْيَمَنِ ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ . وَوَجّهُوهُ إلَى الشّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَوَجّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَصَرَفُوهُ إلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ . وَخَرَجَ نُفَيْلٌ يَشْتَدّ حَتّى صَعِدَ الْجَبَلَ فَأَرْسَلَ اللّهُ طَيْرًا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ مَعَ كُلّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ . حَجَرَيْنِ فِي رِجْلَيْهِ وَحَجَرًا فِي مِنْقَارِهِ . فَلَمّا غَشِيَتْ الْقَوْمَ أَرْسَلَتْهَا عَلَيْهِمْ . فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إلّا هَلَكَ . وَلَيْسَ كُلّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ . فَخَرَجَ الْبَقِيّةُ هَارِبِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ - 36 - نُفَيْلٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ . فَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ . يَتَسَاقَطُونَ بِكُلّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلّ مَنْهَلٍ . وَبَعَثَ اللّهُ عَلَى أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ . فَجَعَلَتْ تَسّاقَطُ أَنَامِلُهُ حَتّى انْتَهَى إلَى صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ الْفَرْخِ . وَمَا مَاتَ حَتّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمّ هَلَكَ .
رَجَعْنَا إلَى سِيرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَفَاةُ عَبْدِ اللّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللّهِ
قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ هَلْ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا ؟ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنّهُ تُوُفّيَ وَهُوَ حَمْلٌ . وَلَا خِلَافَ أَنّ أُمّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ بِالْأَبْوَاءِ مُنْصَرَفَهَا مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ . وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إذْ ذَاكَ سِتّ سِنِينَ .
فَكَفَلَهُ جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ . وَرَقّ عَلَيْهِ رِقّةً لَمْ يَرِقّهَا عَلَى أَوْلَادِهِ . فَكَانَ لَا يُفَارِقُهُ . وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِهِ - إجْلَالًا لَهُ - إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَقَدِمَ مَكّةَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ مِنْ الْقَافَةِ . فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ قَالُوا لِجَدّهِ احْتَفِظْ بِهِ . فَلَمْ نَجِدْ قَدَمًا أَشْبَهَ بِالْقَدَمِ الّذِي فِي الْمَقَامِ مِنْ قَدَمِهِ . فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ اسْمَعْ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَاحْتَفِظْ بِهِ .
وَتُوُفّيَ جَدّهُ فِي السّنَةِ الثّامِنَةِ مِنْ مَوْلِدِهِ . وَأَوْصَى بِهِ إلَى أَبِي طَالِبٍ . وَقِيلَ إنّهُ قَالَ لَهُ
أُوصِيك يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي بِمُفْرَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ
وَكُنْت كَالْأُمّ لَهُ فِي الْوَجْدِ تُدْنِيهِ مِنْ أَحْشَائِهَا وَالْكَبِدِ
فَأَنْتَ مِنْ أَرْجَى بَنِيّ عِنْدِي لِرَفْعِ ضَيْمٍ وَلِشَدّ عَضُدِ
عَبْدُ الْمُطّلِبِ جَدّ رَسُولِ اللّهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ ، مُحَافِظًا عَلَى الْعُهُودِ . مُتَخَلّقًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ . يُحِبّ الْمَسَاكِينَ وَيَقُومُ فِي خَدْمَةِ الْحَجِيجِ وَيُطْعِمُ فِي <37> الْأَزَمَاتِ . وَيَقْمَعُ الظّالِمِينَ . وَكَانَ يُطْعِمُ حَتّى الْوُحُوشَ وَالطّيْرَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ . وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَكْبَرُهُمْ الْحَارِثُ . تُوُفّيَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ . وَأَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ الْحَارِثِ عُبَيْدَةُ . قُتِلَ بِبَدْرٍ وَرَبِيعَةُ ، وَأَبُو سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللّهِ .
وَمِنْهُمْ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ شَقِيقُ عَبْدِ اللّهِ . وَكَانَ رَئِيسَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ فِي حَرْبِ الْفُجّارِ . شَرِيفًا شَاعِرًا . وَلَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ . وَاسْم مِنْ أَوْلَادِهِ عَبْدُ اللّهِ . وَاسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ . وَضُبَاعَةُ وَمَجْلٌ وَصَفِيّةُ وَعَاتِكَةُ .
وَأَسْلَمَ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْعَبّاسُ .
وَمِنْهُمْ أَبُو لَهَبٍ مَاتَ عَقِيبَ بَدْرٍ . وَلَهُ مِنْ الْوَلَدِ عُتَيْبَةُ الّذِي دَعَا عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَتَلَهُ السّبُعُ . وَلَهُ عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ . أَسْلَمَا يَوْمَ الْفَتْحِ . وَمِنْ بَنَاتِهِ أَرْوَى . تَزَوّجَهَا كُرْزُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . فَوَلَدَتْ لَهُ عَامِرًا وَأَرْوَى . فَتَزَوّجَ أَرْوَى عَفّانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ . فَوَلَدَتْ لَهُ عُثْمَانَ ثُمّ خَلّفَ عَلَيْهَا عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ ، وَعَاشَتْ إلَى خِلَافَةِ ابْنِهَا عُثْمَانَ .
وَمِنْهُنّ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أُمّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ .
وَمِنْهُنّ عَاتِكَةُ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ . وَهِيَ صَاحِبَةُ الْمَنَامِ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ . وَاخْتَلَفَ فِي إسْلَامِهَا .
وَمِنْهُنّ صَفِيّةُ أُمّ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ . أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ .
وَأَرْوَى أُمّ آلِ جَحْشٍ - عَبْدِ اللّهِ وَأَبِي أَحْمَدَ وَعُبَيْدِ اللّهِ وَزَيْنَبَ وَحَمْنَةَ .
وَأُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : هِيَ سَلْمَى بِنْتُ زَيْدِ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، تَزَوّجَهَا أَبُوهُ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ . فَخَرَجَ إلَى الشّامِ - وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِعَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَمَاتَ بِغَزّةَ . فَرَجَعَ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَأَصْحَابَهُ إلَى الْمَدِينَةِ بِتِرْكَتِهِ . وَوَلَدَتْ امْرَأَتُهُ سَلْمَى : عَبْدَ الْمُطّلِبِ . وَسَمّتْهُ شَيْبَةَ الْحَمْدِ . فَأَقَامَ فِي أَخْوَالِهِ مُكَرّمًا . فَبَيْنَمَا هُوَ يُنَاضِلُ الصّبْيَانَ فَيَقُولُ أَنَا ابْنُ هَاشِمٍ سَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لِعَمّهِ الْمُطّلِبِ إنّي مَرَرْت بِدُورِ بَنِي قَيْلَةَ فَرَأَيْت غُلَامًا يَعْتَزِي إلَى أَخِيك . وَمَا يَنْبَغِي تَرْكُ مِثْلِهِ فِي الْغُرْبَةِ . فَرَحَلَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي طَلَبِهِ . فَلَمّا رَآهُ فَاضَتْ عَيْنَاهُ وَضَمّهُ إلَيْهِ وَأَنْشَدَ شِعْرًا : <38>
عَرَفْت شَيْبَةَ وَالنّجّارَ قَدْ جَعَلَتْ أَبْنَاءَهَا حَوْلَهُ بِالنّبْلِ تَنْتَصِلُ
عَرَفْت أَجْلَادَهُ فِينَا وَشِيمَتَهُ فَفَاضَ مِنّي عَلَيْهِ وَابِلٌ هَطْلُ
فَأَرْدَفَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَقَالَ يَا عَمّ ذَلِكَ إلَى الْوَالِدَةِ . فَجَاءَ إلَى أُمّهِ . فَسَأَلَهَا أَنْ تُرْسِلَ بِهِ مَعَهُ فَامْتَنَعَتْ . فَقَالَ لَهَا : إنّمَا يَمْضِي إلَى مُلْكِ أَبِيهِ وَإِلَى حَرَمِ اللّهِ . فَأَذِنَتْ لَهُ . فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ ، فَقَالَ النّاسُ هَذَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ وَيْحَكُمْ إنّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ .
فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتّى تَرَعْرَعَ . فَسَلّمَ إلَيْهِ مُلْكَ هَاشِمٍ مِنْ أَمْرِ الْبَيْتِ وَالرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ وَأَمْرِ الْحَجِيجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَكَانَ الْمُطّلِبُ شَرِيفًا مُطَاعًا جَوَادًا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمّيهِ الْفَيّاضَ لِسَخَائِهِ . وَهُوَ الّذِي عَقَدَ الْحِلْفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ النّجَاشِيّ . وَلَهُ مِنْ الْوَلَدِ الْحَارِثُ وَمَخْرَمَةُ وَعَبّادٌ وَأُنَيْسٌ وَأَبُو عُمَرَ وَأَبُو رُهْمٍ وَغَيْرُهُمْ .
وَلَمّا مَاتَ وَثَبَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى أَرْكَاحِ شَيْبَةَ . فَغَصَبَهُ إيّاهَا ، فَسَأَلَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ النّصْرَةَ عَلَى عَمّهِ . فَقَالُوا : لَا نَدْخُلَ بَيْنَك وَبَيْنَ عَمّك فَكَتَبَ إلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النّجّارِ أَبْيَاتًا مَعَهَا :
يَا طُولَ لَيْلِي لِأَحْزَانِي وَإِشْغَالِي هَلْ مِنْ رَسُولٍ إلَى النّجّارِ أَخْوَالِي ؟
بَنِي عَدِيّ وَدِينَارٍ وَمَازِنِهَا وَمَالِكِ عِصْمَةِ الْحَيْرَانِ عَنْ حَالِي
قَدْ كُنْت فِيهِمْ وَمَا أَخْشَى ظُلَامَةَ ذِي ظُلْمٍ عَزِيزًا مَنِيعًا نَاعِمَ الْبَالِ
حَتّى ارْتَحَلْت إلَى قَوْمِي ، وَأَزْعَجَنِي لِذَاكَ مُطّلِبٌ عَمّي بِتَرْحَالِي
فَغَابَ مُطّلِبٌ فِي قَعْرِ مَظْلِمَةٍ ثُمّ انْبَرَى نَوْفَلٌ يَعْدُو عَلَى مَالِي
لَمّا رَأَى رَجُلًا غَابَتْ عُمُومَتُهُ وَغَابَ أَخْوَالُهُ عَنْهُ بِلَا وَالِي
فَاسْتَنْفِرُوا وَامْنُعُوا ضَيْمَ ابْنِ أُخْتِكُمْ لَا تَخْذُلُوهُ فَمَا أَنْتُمْ بِجِذَالِي
فَلَمّا وَقَفَ خَالُهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ عَلَى كِتَابِهِ بَكَى . وَسَارَ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا ، حَتّى قَدِمَ مَكّةَ . فَنَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَتَلَقّاهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، وَقَالَ الْمَنْزِلُ يَا خَالِ . فَقَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى أَلْقَى نَوْفَلًا . فَقَالَ تَرَكْته بِالْحَجَرِ جَالِسًا <39> فِي مَشَايِخِ قَوْمِهِ . فَأَقْبَلَ أَبُو سَعْدٍ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ نَوْفَلٌ قَامِئًا ، فَقَالَ يَا أَبَا سَعْدٍ أَنْعِمْ صَبَاحًا . فَقَالَ لَا أَنْعَمَ اللّهُ لَك صَبَاحًا ، وَسَلّ سَيْفَهُ . وَقَالَ وَرَبّ هَذَا الْبَيْتِ لَئِنْ لَمْ تَرُدّ عَلَى ابْنِ أُخْتِي أَرْكَاحَهُ لَأُمَكّنَن مِنْك هَذَا السّيْفَ . فَقَالَ رَدَدْتهَا عَلَيْهِ . فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَشَايِخَ قُرَيْشٍ . ثُمّ نَزَلَ عَلَى شَيْبَةَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثًا . ثُمّ اعْتَمَرَ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ :
وَيَأْبَى مَازِنٌ وَأَبُو عَدِيّ وَدِينَارُ بْنُ تَيْمِ اللّهِ ضَيْمِي
بِهِمْ رَدّ الْإِلَهُ عَلَيّ رُكْحِي وَكَانُوا فِي انْتِسَابٍ دُونَ قَوْمِي
فَلَمّا جَرَى ذَلِكَ حَالَفَ نَوْفَلُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَحَالَفَتْ بَنُو هَاشِمٍ : خُزَاعَةَ عَلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ . فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَتْحِ مَكّةَ . كَمَا سَيَأْتِي .
فَلَمّا رَأَتْ خُزَاعَةُ نَصْرَ بَنِي النّجّارِ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالُوا : نَحْنُ وَلَدْنَاهُ كَمَا وَلَدْتُمُوهُ فَنَحْنُ أَحَقّ بِنَصْرِهِ . وَذَلِكَ أَنّ أُمّ عَبْدِ مَنَافٍ مِنْهُمْ . فَدَخَلُوا دَارَ النّدْوَةِ وَتَحَالَفُوا وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا .
عَبْدُ اللّهِ وَالِدُ رَسُولِ اللّهِ
وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ وَالِدُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ الذّبِيحُ .
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِب ِ أُمِرَ فِي الْمَنَامِ بِحَفْرِ زَمْزَمَ . وَوُصِفَ لَهُ مَوْضِعُهَا . وَكَانَتْ جُرْهُم قَدْ غَلَبَتْ آلَ إسْمَاعِيلَ عَلَى مَكّةَ ، وَمَلَكُوهَا زَمَانًا طَوِيلًا . ثُمّ أَفْسَدُوا فِي حَرَمِ اللّهِ . فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ حَرْبٌ وَخُزَاعَةُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، مِنْ أَهْلِ سَبَأٍ . وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ بَنُو إسْمَاعِيلَ . فَغَلَبَتْهُمْ خُزَاعَةُ . وَنَفَتْ جُرْهُمًا مِنْ مَكّةَ . وَكَانَتْ جُرْهُمٌ قَدْ دَفَنَتْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، وَالْمَقَامَ وَبِئْرَ زَمْزَمَ . وَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ عَلَى مَكّةَ . وَرَجَعَ إلَيْهِ مِيرَاثُ قُرَيْشٍ . فَأَنْزَلَ بَعْضَهُمْ دَاخِلَ مَكّةَ - وَهُمْ قُرَيْشُ الْأَبَاطِحِ - و بَعْضَهُمْ خَارِجَهَا - وَهُمْ قُرَيْشُ الظّوَاهِرِ - فَبَقِيَتْ زَمْزَمُ مَدْفُونَةً إلَى عَصْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَرَأَى فِي الْمَنَامِ مَوْضِعَهَا . فَقَامَ يَحْفِرُ فَوَجَدَ فِيهَا سُيُوفًا مَدْفُونَةً وَحُلِيّا ، وَغَزَالًا مِنْ ذَهَبٍ مُشَنّفًا بِالدّرّ . فَعَلّقَهُ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ عَلَى الْكَعْبَةِ . وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا وَلَدُهُ الْحَارِثُ . فَنَازَعَتْهُ قُرَيْشٌ ، وَقَالُوا لَهُ أَشْرِكْنَا ، فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . هَذَا أَمْرٌ خُصِصْت بِهِ . فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أَحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ .
<40> فَنَذَرَ حِينَئِذٍ عَبْدَ الْمُطّلِب ِ : لَئِنْ آتَاهُ اللّهُ عَشَرَةَ أَوْلَادٍ وَبَلَغُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ لَيَنْحَرَن أَحَدَهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا تَمّوا عَشَرَةً . وَعَرَفَ أَنّهُمْ يَمْنَعُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ فَأَطَاعُوهُ . وَكَتَبَ كُلّ مِنْهُمْ اسْمَهُ فِي قَدَحٍ . وَأَعْطَوْهَا الْقِدَاحَ قَيّمَ هُبَلَ - وَكَانَ الّذِي يُجِيلُ الْقِدَاحَ - فَخَرَجَ الْقَدَحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ . وَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْمُدْيَةَ لِيَذْبَحَهُ . فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ نَادِيهَا فَمَنَعُوهُ . فَقَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِنَذْرِي ؟ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ مَكَانَهُ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ . فَأُقْرِعَ بَيْنَ عَبْدِ اللّهِ وَبَيْنَهَا . فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ . فَاغْتَمّ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ ، ثُمّ لَمْ يَزَلْ عَشْرًا عَشْرًا ، وَلَا تَقَعُ الْقُرْعَةُ إلّا عَلَيْهِ إلَى أَنْ بَلَغَ مِائَةً . فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْإِبِلِ . فَنُحِرَتْ عَنْهُ . فَجَرَتْ سُنّةٌ وَرُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَنَا ابْنُ الذّبِيحَيْنِ يَعْنِي إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَبَاهُ عَبْدُ اللّهِ . ثُمّ تَرَكَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ الْإِبِلَ لَا يَرُدّ عَنْهَا إنْسَانًا وَلَا سَبُعًا . فَجَرَتْ الدّيَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَقَرّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ . وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ :
نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ زَمْزَمَ سُقِيَا الْخَلِيلِ وَابْنِهِ الْمُكَرّمِ
جِبْرِيلُ الّذِي لَمْ يُذَمّمْ شِفَاءَ سُقُمٍ وَطَعَامُ مُطْعِمِ
أَبُو طَالِبٍ عَمّ رَسُولِ اللّهِ
وَأَمّا أَبُو طَالِبٍ فَهُوَ الّذِي يَتَوَلّى تَرْبِيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَعْدِ جَدّهِ كَمَا تَقَدّمَ وَرَقّ عَلَيْهِ رِقّةً شَدِيدَةً . وَكَانَ يُقَدّمُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : قَامَ أَبُو طَالِبٍ - مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ مَوْلِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى السّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ النّبُوّةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ - يَحُوطُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَيَذُبّ عَنْهُ . وَيَلْطُفُ بِهِ .
وَقَالَ أَبُومُحَمّدِ بْنُ قُدَامَةَ : كَانَ يُقِرّ بِنُبُوّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارٌ . مِنْهَا : <41>
أَلَا أَبْلِغَا عَنّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا لُؤَيّا . وَخُصّا مِنْ لُؤَيّ بَنِي كَعْبٍ
بِأَنّا وَجَدْنَا فِي الْكِتَابِ مُحَمّدًا نَبِيّا كَمُوسَى ، خُطّ فِي أَوّلِ الْكُتُبِ
وَأَنّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبّةً وَلَا خَيْرَ مِمّنْ خَصّهُ اللّهُ بِالْحُبّ
وَمِنْهَا :
تَعَلّمْ خِيَارَ النّاسِ أَنّ مُحَمّدًا وَزِيرًا لِمُوسَى وَالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا فَإِنّ طَرِيقَ الْحَقّ لَيْسَ بِمُظْلِمٍ
وَلَكِنّهُ أَبَى أَنْ يَدِينَ بِذَلِكَ خَشْيَةَ الْعَارِ . وَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ . دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ - فَقَالَ يَا عَمّ قُلْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ كَلِمَةً أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْدَ اللّهِ فَقَالَا لَهُ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَلْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَدّدُهَا عَلَيْهِ وَهُمَا يُرَدّدَانِ عَلَيْهِ حَتّى كَانَ آخِرَ كَلِمَةٍ قَالَهَا هُوَ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 9 : 113 ) مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 38 : 56 ) إِنّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ - الْآيَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ رَثَاهُ وَلَدُهُ عَلِيّ بِأَبْيَاتٍ مِنْهَا :
أَرَقْت لِطَيْرٍ آخِرَ اللّيْلِ غَرّدَا يَذْكُرُنِي شَجْوًا عَظِيمًا مُجَدّدَا
أَبَا طَالِبٍ مَأْوَى الصّعَالِيكِ ذَا النّدَى جَوَادًا إذَا مَا أَصْدَرَ الْأَمْرَ أَوْرَدَا
فَأَمْسَتْ قُرَيْشٌ يَفْرَحُونَ بِمَوْتِهِ وَلَسْت أَرَى حَيّا يَكُونُ مُخَلّدَا
أَرَادُوا أُمُورًا زَيّفَتْهَا حُلُومُهُمْ سَتُورِدُهُمْ يَوْمًا مِنْ الْغَيّ مَوْرِدَا
يَرْجُونَ تَكْذِيبَ النّبِيّ وَقَتْلَهُ وَأَنْ يُفْتَرَى قِدَمًا عَلَيْهِ وَيَجْحَدَا
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ حَتّى نُذِيقَكُمْ صُدُورَ الْعَوَالِي وَالْحُسَامِ الْمُهَنّدَا
خَلّفَ أَبُو طَالِبٍ أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ وَابْنَتَيْنِ . فَالذّكُورُ طَالِبٌ وَعُقَيْلٌ وَجَعْفَرٌ وَعَلِيّ ، وَبَيْنَ كُلّ وَاحِدٍ عَشْرُ سِنِينَ . فَطَالِبٌ أَسَنّهُمْ ثُمّ عُقَيْلٌ ثُمّ جَعْفَرٌ ثُمّ عَلِيّ .
فَأَمّا طَالِبٌ فَأَخْرَجَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ كُرْهًا . فَلَمّا انْهَزَمَ الْكُفّارُ طَلَبَ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْقَتْلَى ، وَلَا فِي الْأَسْرَى ، وَلَا رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ .
وَأَمّا عُقَيْلٌ فَأَسَرّ ذَلِكَ الْيَوْمَ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ . فَفَدَاهُ عَمّهُ الْعَبّاسُ . ثُمّ رَجَعَ إلَى مَكّةَ . فَأَقَامَ بِهَا إلَى السّنَةِ الثّامِنَةِ . ثُمّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَشَهِدَ مُؤْتَةَ مَعَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ . وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : « وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عُقَيْلٌ مِنْ مَنْزِلٍ ؟ » ( ) <42> وَاسْتَمَرّتْ كَفَالَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولٍ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا -
فَلَمّا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً - وَقِيلَ تِسْعًا خَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ فَرَآهُ بُحَيْرِيّ الرّاهِبُ وَأَمَرَ عَمّهُ أَنْ لَا يَقْدَمَ بِهِ إلَى الشّامِ ، خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْيَهُودِ . فَبَعَثَهُ عَمّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إلَى الْمَدِينَةِ .
وَوَقَعَ فِي التّرْمِذِيّ ( ) " أَنّهُ بَعَثَ مَعَهُ بِلَالًا " وَهُوَ غَلَطٌ وَاضِحٌ . فَإِنّ بَلَالًا إذْ ذَلِكَ لَعَلّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا .
خُرُوجُهُ إلَى الشّامِ وَزَوَاجُهُ خَدِيجَةَ
فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَرَجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ غُلَامُهَا . فَوَصَلَ بُصْرَى .
ثُمّ رَجَعَ فَتَزَوّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ . وَهِيَ أَوّلُ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا ، وَأَوّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ . وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا . وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ " أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السّلَامَ مِنْ رَبّهَا وَيُبَشّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ مِنْ قُصْبٍ " ( ) .
تَحَنّثُهُ فِي غَارِ حِرَاءٍ
ثُمّ حُبّبَ إلَيْهِ الْخَلَاءُ . وَالتّعَبّدُ لِرَبّهِ فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَعَبّدُ فِيهِ . وَبُغِضَتْ إلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ . فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . وَأَنْبَتَهُ اللّهُ نَبَاتًا حَسَنًا ، حَتّى كَانَ أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ، وَأَعَزّهُمْ جِوَارًا ، وَأَعْظَمَهُمْ حُلْمًا ، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا . وَأَحْفَظَهُمْ لِأَمَانَةٍ . حَتّى سَمّاهُ قَوْمُهُ " الْأَمِينَ " لِمَا جَمَعَ اللّهُ فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الصّالِحَةِ . وَالْخِصَالِ الْكَرِيمَةِ الْمَرْضِيّةِ .
بِنَاءُ الْكَعْبَةِ
وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً قَامَتْ قُرَيْشٌ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ حِينَ تَضَعْضَعَتْ .
<43> قَالَ أَهْلُ السّيَرِ كَانَ أَمْرُ الْبَيْتِ - بَعْدَ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ - إلَى وَلَدِهِ ثُمّ غَلَبَتْ جُرْهُمٌ عَلَيْهِ . فَلَمْ يَزَلْ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى اسْتَحَلّوا حُرْمَتَهُ . وَأَكَلُوا مَا يُهْدَى إلَيْهِ . وَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَ مَكّةَ ثُمّ وُلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ بَعْدَهُمْ إلّا أَنّهُ كَانَ إلَى قَبَائِلَ مِنْ مُضَرَ ثَلَاثُ خِلَالٍ-
الْإِجَازَةُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ يَوْمَ الْحَجّ إلَى مُزْدَلِفَةَ ، تُجِيزُهُمْ صُوفَةُ .
وَالثّانِيَةُ الْإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ ، غَدَاةَ النّحْرِ إلَى مِنًى . وَكَانَ ذَلِكَ إلَى يَزِيدَ بْنِ عُدْوَانَ ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ وَلِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو سَيّارَةَ .
وَالثّالِثَةُ إنْسَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . وَكَانَ إلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ ثُمّ صَارَ إلَى جُنَادَةَ بْنِ عَوْفٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً جَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ . وَكَانُوا يَهُمّونَ بِذَلِكَ لِيَسْقُفُوهَا ، وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا ، وَإِنّمَا كَانَتْ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا . وَذَلِكَ أَنّ قَوْمًا سَرَقُوا كَنْزَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ . وَكَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى سَفِينَةً إلَى جِدّةَ لِرَجُلٍ مِنْ تُجّارِ الرّومِ ، فَتَحَطّمَتْ . فَأَخَذُوا خَشَبَهَا فَأَعَدّوهُ لِسُقُفِهَا .
وَكَانَ بِمَكّةَ رَجُلٌ قِبْطِيّ نَجّارٌ . فَهَيّأَ لَهُمْ بَعْضَ مَا كَانَ يُصْلِحُهَا . وَكَانَتْ حَيّةٌ تَخْرُجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الّتِي كَانَ يُطْرَحُ فِيهِ مَا يُهْدَى لَهَا كُلّ يَوْمٍ فَتَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَتْ مِمّا يَهَابُونَ . وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إلّا اخْزَأَلّتْ وَكَشّتْ وَفَتَحَتْ فَاهَا . فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ تَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ ، بَعَثَ اللّهُ إلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا . فَذَهَبَ بِهَا . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللّهُ قَدْ رَضِيَ مَا أَرَدْنَا . عِنْدَنَا عَامِلٌ رَفِيقٌ وَعِنْدَنَا خُشُبٌ . وَقَدْ كَفَانَا اللّهُ الْحَيّةَ .
فَلَمّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا : قَامَ أَبُو وَهْبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّ فَتَنَاوَلَ مِنْ الْكَعْبَةِ حَجَرًا . فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، لَا تَدْخُلُوا فِي بُنْيَانِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طِيبًا ، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَهْرُ بَغِيّ وَلَا بَيْعُ رِبًا . وَلَا مَظْلِمَةُ أَحَدٍ مِنْ النّاسِ .
ثُمّ إنّ قُرَيْشًا تَجَزّأَتْ الْكَعْبَةَ . فَكَانَ شِقّ الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ . وَمَا بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيّ - 44ْ - لِبَنِي مَخْزُومٍ . وَقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَافَتْ إلَيْهِمْ . وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ : لِبَنِي جُمَحَ وَبَنِيّ سَهْمٍ . وَكَانَ شِقّ الْحَجَرِ : لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَلِبَنِي عَدِيّ . وَهُوَ الْحَطِيمُ .
ثُمّ إنّ النّاسَ هَابُوا هَدْمَهَا . فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ . ثُمّ قَامَ عَلَيْهَا . وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ لَا تُرَعْ - أَوْ لَمْ نَزِغْ - اللّهُمّ إنّا لَا نُرِيدُ إلّا الْخَيْرَ . ثُمّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرّكْنَيْنِ . فَتَرَبّصَ النّاسُ تِلْكَ اللّيْلَةَ . وَقَالُوا : إنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا . وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَإِلّا فَقَدْ رَضِيَ اللّهُ مَا صَنَعْنَا . فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ . فَهَدَمَ وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ .
حَتّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ - أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ - أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسِنّةِ أَخَذَ بَعْضَهَا بَعْضًا . فَأَدْخَلَ بَعْضُهُمْ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيُقْلِعَ أَحَدَهُمَا . فَلَمّا تَحَرّكَ الْحَجَرُ : انْتَفَضَتْ مَكّةُ بِأَسْرِهَا . فَانْتَهَوْا عِنْدَ ذَلِكَ الْأَسَاسِ .
ثُمّ إنّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتْ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا ، كُلّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ . ثُمّ بَنَوْهَا . حَتّى بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . فَاخْتَصَمُوا فِيهِ كُلّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ حَتّى تَحَاوَرُوا وَتَخَالَفُوا وَأَعَدّوا لِلْقِتَالِ فَقَرّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَة دَمًا . تَعَاهَدُوا - هُمْ وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ - عَلَى الْمَوْتِ وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدّمِ . فَسُمّوا " لَعَقَةَ الدّمِ " فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ . أَوْ خَمْسًا .
ثُمّ إنّهُمْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ . فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا .
فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرّوَايَةِ أَنّ أَبَا أُمَيّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيّ - وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَسَنّ قُرَيْشٍ كُلّهِمْ - قَالَ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ . فَفَعَلُوا . فَكَانَ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا " هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا بِهِ هَذَا مُحَمّدٌ " فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلُمّ إلَيّ ثَوْبًا " فَأُتِيَ بِهِ . فَأَخَذَ الرّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ . ثُمّ قَالَ لِتَأْخُذ كُلّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الثّوْبِ . ثُمّ ارْفَعُوا جَمِيعًا " فَفَعَلُوا ، حَتّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ بَنَى عَلَيْهِ .
<45> وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ . وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلُبِطَ بِهِ - أَيْ طَاحَ عَلَى وَجْهِهِ - وَنُودِيَ " اُسْتُرْ عَوْرَتَك " فَمَا رُئِيَتْ لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ( ) .
فَلَمّا بَلَغُوا خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا سَقّفُوهُ عَلَى سِتّةِ أَعْمِدَةٍ .
وَكَانَ الْبَيْتُ يُكْسَى الْقَبَاطِيّ . تَمّ كُسِيَ الْبُرُودَ . وَأَوّلُ مَنْ كَسَاهُ الدّيبَاجَ الْحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ .
وَأَخْرَجَتْ قُرَيْشٌ الْحَجَرَ لِقِلّةِ نَفَقَتِهِمْ . وَرَفَعُوا بَابَهَا عَنْ الْأَرْضِ لِئَلّا يَدْخُلَهَا إلّا مَنْ أَرَادُوا . وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ لَا يُرِيدُونَ دُخُولَهُ تَرَكُوهُ حَتّى يَبْلُغَ الْبَابَ ثُمّ يَرْمُونَهُ .
فَلَمّا بَلَغَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ بَعَثَهُ اللّهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا .
بَعْضُ مَا كَانَ ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الثانى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الاول
» مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء الرابع
» مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء السادس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي أبناء السنابسة  :: اسلاميات :: قسم السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: